الزكاة، وصفة تلك الزكاة أن صاحب الخيل مخيَّر إن شاء أعطى من كل فرس دينارًا أو عشرة دراهم، وإن شاء قوَّمها فأعطى من كل مائتي درهم عشرة، وهذا خلاف فعل عمر- رضي الله عنه -.
قلت: لا نسلم أن أبا حنيفة خالف فعل عمر- رضي الله عنه -؛ فإن عمر - رضي الله عنه - أخذ من كل فرس عشرة دراهم على ما مرَّ في حديث حارثة بن مضرب.
وأما اشتراطه أن تكون ذكورًا وإناثًا أو إناثًا حتى تجب فيها الزكاة فليس ذلك من رأيه واجتهاده بل هو هكذا منقول عن إبراهيم النخعي.
قال محمَّد في "آثاره": أنا أبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم أنه قال في الخيل السائمة التي يُطلب نسلُها:"إن شئت في كل فرس دينارًا، وإن شئت عشرة دراهم، وإن شئت فالقيمة، ثم كان في كل مائتي درهم خمسة دراهم في كل فرس ذكر أو أنثى". انتهى.
فمن هذا عرفت أن وجه النظر هذا فيه نظر. فافهم.
ص: وحجة أخرى: أنَّا قد رأينا البغال والحمير لا زكاة فيها وإن كانت سائمةً، والإبل والبقر والغنم فيها الزكوات إذا كانت سائمةً، وإنما الاختلاف في الخيل، فأردنا أن ننظر أيّ الصنفين هي أشبه به فنعطف حكمه على حكمه، فرأينا الخيل ذات حوافر وكذلك الحمير والبغال هي ذوات حوافر أيضًا، وكانت المواشي من البقر والغنم والإبل ذوات أخفاف، فذو الحافر بذي الحافر أشبه منه بذي الخف، فثبت بذلك أن لا زكاة في الخيل كما لا زكاة في الحمير والبغال.
ش: أراد به دليلًا آخر في اقتضاء القياس عدم وجوب الزكاة في الخيل، وهو ظاهر، ولكن فيه نظر من وجهين:
الأول: أن الخيل يؤكل لحمها، ولا سيما عند من لا يرى الزكاة فيها، فشبهها بمأكول اللحم كالبقر والغنم والإبل أقرب من شبهها بما لا يؤكل لحمها كالحمير والبغال؛ لأن المشابهة بين الشيئين لا تطلب إلا في الوصف الأعم الأشهر.