للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما السنة فإن رسول الله - عليه السلام - كان يبعث المصدقين إلى أحياء العرب والبلدان والآفاق لأخذ صدقات الأنعام والمواشي في أماكنها، وعلى ذلك فعل الأئمة من بعده من الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم -.

وكذا المال الباطن إذا مرَّ به التاجر على العاشر كان له أن يأخذها في الجملة، وعليه إجماع الصحابة؛ فإن عمر - رضي الله عنه - نصب العُشار وقال لهم: خذوا من المسلم ربع العشر، ومن الذمي نصف العُشر. ومن الحربي العُشر. وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم -، ولم يُنقل أنه أنكر عليه أحد منهم فصار إجماعًا.

وأما المال الباطن الذي يكون في المصر قال عامة مشايخنا: إن رسول الله - عليه السلام - وأبا بكر وعمر - رضي الله عنهم - طالبوا بزكاته وعثمان - رضي الله عنه - طالب مدة ولما كثر أموال الناس رأى أن في تتبعها حرجًا على الأئمة، وفي تفتيشها ضررًا بأرباب الأموال، ففوض إلى أربابها الأداء. انتهى.

قلت: هذا الكلام يدل على أن مذهب أبي حنيفة أن ولاية الأخذ في الزكوات للإمام سواء كان من الأموال الظاهرة أو من الأموال الباطنة، وأشار إلى ذلك الطحاوي أيضًا حيث قال في وجه النظر في هذا الباب: فإنا قد رأيناهم أنهم لا يختلفون أن للإمام أن يبعث إلى أرباب المواشي السائمة حتى يأخذ منهم صدقة مواشيهم إذا وجبت فيها الصدقة، وكذلك يفعل في ثمارهم.

فالنظر على ذلك أن تكون بقية الأموال من الذهب والفضة وأموال التجارات كذلك، ثم قال: وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، فعلى هذا: ما ذكره بعض أصحابنا الحنفية في مختصراتهم من أن الإِمام لا يتعرض إلى الأموال الباطنة، غير صحيح وأنه ليس مذهب أبي حنيفة.

ص: وكان في الحجة على أهل المقالة الأولى: أن العشر الذي كان رسول الله - عليه السلام - رفعه عن المسلمين هو العشر الذي كان يؤخد في الجاهلية، وهو خلاف الزكاة، وكان يسمونه المكس، وهو الذي روى عقبة بن عامر فيه عن النبي - عليه السلام - ما قد حدثنا فهد،

<<  <  ج: ص:  >  >>