للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الجوهري: المكس: الجباية، والماكس: العشار، والمكس: ما يأخذه العشار. قال الشاعر (١):

أفي (٢) كُلِّ أسواقِ العراقِ إتاوَةٌ ... وَفي كُلِّ ما باعَ امرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ

انتهى.

قلت: المكس في هذا الزمان: ما يأخذه الظلمة والأعوان من التجار الواردين في البلاد ومن الباعة والشراة في الأسواق بأشياء مقررة عليهم على طريق الظلم والعدوان، وكان هذا قبل الإِسلام في الجاهلية، ثم لما جاء الشرع أبطل هذا وأمرهم أن يؤدوا الزكوات والعشور والخراج على الأوضاع الشرعية، ثم لما استولت الظلمة من الملوك والخونة من الحكام أعادوا هذا الظلم، ثم لم يزل الوزراء الظلمة الفسقة يحددون ذلك ويزيدون عليه ويفرعون تفريعات حتى وضعوه في كل شيء جليل وحقير، ودخلوا تحت قوله - عليه السلام -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فليس منا".

ص: وقد بيَّن ذلك أيضًا: ما حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد الله، عن رجل من أخواله "أن رسول الله - عليه السلام - استعمله على الصدقة، وعلَّمه الإسلام وأخبره بما يأخذ، فقال: يا رسول الله، كل الإسلام قد علمت إلا الصدقة، أفأعشر المسلمين؟ فقال رسول الله - عليه السلام -: إنما يعشر اليهود والنصارى".

ففي هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - بعثه على الصدقة وأمره أن لا يعشر المسلمين، وقال له: "إنما العشور على اليهود والنصارى" فدل ذلك أن العشور المرفوعة عن المسلمين هي خلاف الزكاة.


(١) هو جابر بن حُنَيّ التغلبي، كان شاعرا نصرانيًّا، وهو من أهل اليمن، طاف أنحاء نجد وبادية العراق، وصحب امرأ القيس حين خرج إلى القسطنطينية مستنجدًا بقيصر. والبيت من قصيدة طويلة عدد أبياتها ٢٨ بيتًا.
(٢) ويروى: وفي، بالواو في أوله. كما في "منتهى الطلب" (١/ ٧٤٨)، وفي "المفضليات" لمفضل الضبي (١/ ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>