الصدقة، وكذلك يفعل في ثمارهم، ثم يضع ذلك في مواضع الزكوات على ما أمره به -عز وجل-، لا يأبى ذلك أحد من المسلمين.
فالنظر على ذلك: أن تكون بقية الأموال من الذهب والفضة وأموال التجارات كذلك، فأما معنى قول رسول الله - عليه السلام - "ليس على المسلمين عشور إنما العشور على اليهود والنصارى" فعلى ما قد فسرته فيما تقدم من هذا الباب، وقد سمعت أبا بكرة يحكي ذلك، عن أبي عمر الضرير. وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي: وأما وجه هذا الباب من طريق النظر والقياس: فإنا قد رأيناهم -أي أهل المقالة الأولى وأهل المقالة الثانية - والباقي ظاهر.
فظهر من كلامه هذا أن للإمام أن ينصب من يأخذ الزكوات من أموال المسلمين سواء كانت من الأموال الظاهرة أو من الأموال الباطنة، وسواء كان الإِمام عادلًا يضع ما أخذه في مصارفه أو لم يكن، وكذلك نوابه سواء كانوا عدولًا أو خونةً، ولكن اختلف علماؤنا الحنفية في هذا النظر.
فقال صاحب "البدائع"(١): وأما سلاطين زماننا الذين إذا أخذوا الصدقات والعشر والخراج ولا يضعونها في مواضعها، فهل تسقط هذه الحقوق عن أربابها؟ اختلف المشايخ فيه، فقد ذكر الفقيه أبو جعفر الهنداوي أنه يسقط ذلك كله وإن كانوا لا يضعونها في أهلها؛ لأن حق الأخذ لهم فيسقط عنا بأخذهم، ثم إن لم يضعوها في مواضعها فالوبال عليهم.
وقال الشيخ أبو بكر بن سعيد الجراح: تسقط ولا تسقط الصدقات؛ لأن الخراج يصرف إلى المقاتلة، وهم يصرفونه إلى المقاتلة ويقاتلون العدو، ألا ترى أنه لو ظهر العدو فإنهم يقاتلون ويذبون عن حريم المسلمين؟! فأما الزكوات والصدقات فإنهم لا يضعونها في أهلها.