وقال أبو عمر بن عبد البر: قوله - عليه السلام -: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" يقتضي نفي وجوب الزكاة عما دون خمسة أوسق، ويقتضي وجوبها في هذا المقدار فما فوقه، والخمسة الأوسق عندنا بالكيل القرطبي: خمسة وعشرون قفيزًا على حساب ثمانية وأربعين.
هذا وإن كان القفيز اثنين وأربعين مدًّا كما زعم جماعة من الشيوخ عندنا فهي ثمانية وعشرون قفيزًا ونصف قفيز وأربعة أسباع قفيز وزن جميعها ثلاثة وخمسون ربعًا وثلث ربع كل ربع منها من ثلاثين رطلًا.
فهذا هو المقدار الذي لا تجب الزكاة فيما دونه وتجب فيما فوقه كيلًا؛ لأن الحديث إنما نبَّه على الكيل.
وهذا إجماع من العلماء أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق إلا أبا حنيفة وزفر ورواية عن بعض التابعين؛ فإنهم قالوا: الزكاة في كل ما أخرجته الأرض قلَّ ذلك أو كثر إلا الطرف والقصب الفارسي والحشيش والحطب.
وأجمع العلماء كلهم من السلف والخلف على أن الزكاة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، واختلفوا فيما سوى ذلك من الحبوب، فقال مالك: الحبوب التي تجب فيها الزكاة: الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والحمص والعدس والجلبان واللوبيا وما أشبه ذلك من الحبوب والقطاني كلها.
قال: وفي الزيتون الزكاة.
وقال الشافعي: كل ما يزرعه الآدميون وييبس ويُدَّخر ويقتات مأكولًا خبزًا وسويقًا وطبيخًا ففيه الزكاة.
قال: والقطاني كلها فيها الزكاة، واختلف قوله في الزيتون، وآخره أنه رجع إلى أنه لا زكاة فيه؛ لأنه إدام. قال: وليس في الأرز والقتّ والقثاء وحبوب البقل والشونيز صدقة، ولا يؤخذ من ثمر الشجر صدقة إلا في النخل والعنب، وقال الطبري في هذا