للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف يجوز أن تكون رطبًا حينئذٍ فيجعل لصاحبها حق الله فيها بكيله ذلك تمرًا يكون عليه نسيئة؟! وقد نهى رسول الله - عليه السلام - عن بيع التمر في رءوس النخل بالتمر كيلًا، ونهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة. وجاءت بذلك عنه الآثار المروية الصحيحة، قد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع من كتابنا، ولم يستثن رسول الله - عليه السلام - في ذلك شيئًا، فليس وجه ما رويناه في الخرص عندنا ما ذكرتم، ولكن وجه ذلك عندنا -والله أعلم- أنه إنما أريد بخرص ابن رواحة ليُعلم به مقدار ما في أيدي كل قوم من الثمار، فيؤخذ مثله بقدره في وقت الصرام، لا أنهم يملكون منه شيئًا مما يجب لله فيه ببدل لا يزول ذلك البدل عنهم، وكيف يجوز ذلك وقد يجوز أن تصيب الثمرة بعد ذلك أفة فَتُتْلفها أو نار فتحرقها فيكون ما يؤخذ من صاحبها بدلًا من حق الله تعالى مأخوذًا منه بدلًا مما لم يسلم له، ولكنه إنما أريد بذلك الخرص ما ذكرنا، وكذلك في حديث عتاب بن أسيد - رضي الله عنه - فهو على ما وصفنا من ذلك.

ش: أي: خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الشعبي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم كرهوا الخرص، حتى قال الشعبي: الخرص بدعة. وقال الثوري: خرص الثمار لا يجوز. وفي "أحكام ابن بزيزة": وقال أبو حنيفة وصاحباه الخرص باطل، قال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} (١) ثم قال: واحتج أبو حنيفة وصاحباه والكوفيون على منع الخرص بنهيه - عليه السلام - عن المزابنة، والخرص يؤدي إليها؛ لأن فيه بيع التمر بالتمر كيلًا، ففيه التفاضل والنَّساء.

وقد أشار الطحاوي إلى ذلك بقوله: وقد نهى رسول الله - عليه السلام - عن بيع التمر في رءوس النخل بالتمر كيلًا.

والحاصل أنهم قالوا: ليس في الأحاديث المذكورة وهي ما رواه ابن عمر وجابر ما يدل على أن الثمرة كانت رطبًا في الوقت الذي خرصت فيه، وكيف يجوز أن


(١) سورة الذاريات، آية: [١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>