للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان واحد منهم إذا أراد أن يصوم ربط في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبينا له، فأنزل الله تعالى بعد ذلك {مِنَ الْفَجْرِ} (١) فعلموا أنه إنما يعني بذلك الليل والنهار.

وقال أبو بكر الرازي في "الأحكام": لا يثبت ذلك من حذيفة، ومع ذلك من أخبار الآحاد فلا يجوز الاعتراض به على القرآن، قال الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (١) فأوجب الصوم والإمساك عن الأكل والشرب بظهور الخيط الأبيض الذي هو بياض الفجر. وحديث حذيفة إن حمل على حقيقته كان مبيحًا لما حظرته الآية، وقال النبي - عليه السلام - في حديث عدي بن حاتم: "هو بياض النهار وسواد الليل" فكيف يجوز الأكل نهارًا في الصوم مع تحريم الله إياه بالقرآن والسنة، ولو ثبت حديث حذيفة من طريق النقل لم يوجب جواز الأكل في ذلك الوقت؛ لأنه لم يَعْزُ الأكل إلى النبي - عليه السلام -، وإنما أخبر عن نفسه أنه أكل في ذلك الوقت لا عن النبي - عليه السلام -، فكونه مع النبي - عليه السلام - في وقت الأكل لا دلالة له فيه على علم النبي - عليه السلام - بذلك منه وإقراره عليه، ولو ثبت أنه - عليه السلام - علم بذلك وأقره عليه، احتمل أن يكون ذلك في آخر الليل قرب طلوع الفجر، فسماه نهارًا لقربه منه.

ص: فأنه حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا إسماعيل بن سالم، قال: ثنا هشيم، قال: أنا حصين ومجالد، عن الشعبي، قال: أنا عدي بن حاتم قال: "لما نزلت هذه الآية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (١) عمدت إلى عقالين: أحدهما أسود، [والآخر أبيض] (٢) فجعلت أنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود، فلما أصبحت غدوت على رسول الله - عليه السلام - فأخبرته بالذي صنعت، فقال: إن وسادك لعريض، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل".


(١) سورة البقرة، آية: [١٨٧].
(٢) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

<<  <  ج: ص:  >  >>