للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّ حكم الحاضر فيها كذلك أيضًا، وقد قال ابن الفَغْوَاء: إنهم كانوا إذا أحدثوا لم يتكلموا حتى يتوضئوا، فنزلت هذه الآية {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (١) فأخبر أنَّ ذلك إنما هو لقيام إلى الصلاة بعد حدثٍ.

ش: هذا جواب عَمّا رُوي من فعل علي - رضي الله عنه - أنَّه كان يتوضأ لكل صلاة، ويحتج بقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} (٢) وتحريره: أنَّ أهل المقالة الأولى احتجوا فيما ذهبوا إليه بما روي عن عليّ - رضي الله عنه - وليس في ذلك دليل على ما قالوا؛ لأنه قد يجوز أنْ يكون المراد من قوله: هو القيام في حالة الحدث، ونحن أيضًا نقول: إذا قام إلى الصلاة وهو محدث فعليه أنْ يتوضأ، وإنْ تعدّد قيامه مع الحدث، ثم أوضح ذلك بقوله: "ألا ترى أنهم قد أجمعوا، أيّ أهل المقالتين أجمعوا أنَّ حكم المسافر هو أنَّه لا يجب عليه الوضوء إلَّا بالحدث، وإنْ مضى عليه أوقات، والحال أنَّه مخاطب بالآية كما أن المقيم مخاطب بها، فإذا ثبت حكم المسافر على ما ذكرنا كان حكم الحاضر كذلك؛ لشمول الخطاب إياهما، ثم أكد ما ذكره من قوله: إنَّ المراد هو القيام إلى الصلاة وهم محدثون، بما قال ابن الفغواء، أنهم -أيّ الصحابة- كانوا إذا أصابهم الحدث، لم يتكلموا حتى يتوضئوا؛ فنزلت هذه الآية، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} (١) فأخبر الله تعالى أنَّ ذلك لأجل القيام إلى الصلاة بعد حدث لا لمطلق القيام، على ما عليه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومَنْ بعدهم.

وابن الفغواء هو عمرو بن الفغواء، ويقال: ابن أبي الفغواء، والد عبد الله بن عمرو بن الفغواء، له صحبة، وهو بالفاء ثم الغين المعجمة.

وقد قال أبو بكر الرازي: الآية غير مستعملة على حقيقتها؛ لأن فيها مضمرا يتعلق إيجاب الطهارة به، وهو النوم، والتقدير: إذا قمتم من النوم، وأراد به نوم


(١) سورة المائدة، آية: [٦].
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>