بذلك أن الأحكام فيهما -وإن كانا تسعًا وعشرين تسعًا وعشرين- متكاملة فيهما غير ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين ثلاثين، فهذا وجه تصحيح هذه الآثار التي ذكرناها في هذا الباب.
ش: أي ذهب جماعة آخرون من أهل الحديث منهم إسحاق، وأراد بهذه الآثار: حديث أبي بكرة المذكور، وحديث ابن عمر، وحديث أبي هريرة، ولما كان بينهما تعارض بحسب الظاهر وفقوا بينهما، وقالوا:
أما قوله:"صوموا لرؤيته ... " الحديث، فإن الأمر فيه كما قال، فإن كل شهر من شهور السنة قد يكون ثلاثين وقد يكون تسعة وعشرين.
وأما قوله:"شهرا عيد لا ينقصان" فليس معناه على نقصان العدد؛ لأنه واقع بالمشاهدة في جميع المشهور -كما قلنا- بالعيان وبالأحاديث المذكورة، ولكن معناه: أنهما كاملان تامان في حكم العبادة سواء كانا ثلاثين ثلاثين أو تسعًا وعشرين تسعًا وعشرين، وأصل ذلك: أن الناس لما كثر اختلافهم في هذين الشهرين لأجل عيدهم وصومهم وحجهم؛ أعلمهم النبي - عليه السلام - أن هذين الشهرين وإن نقصت أعدادهما فحكمهما على التمام والكمال في حكم العبادة؛ لئلا يقع في القلوب شك إذا صاموا تسعًا وعشرين يومًا أو وقع في وقوفهم خطأ في الحج، فبيَّن أن الحكم كامل، وأن الثواب تامٌّ وإن نقص العدد.
والدليل على ذلك ما أخرجه الطبراني (١): من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شهر حرام لا ينقص ثلاثين يومًا وثلاثين ليلة".
ورجال إسناده ثقات.
وقال بعضهم: معناه لا يجتمعان في النقص في الغالب فيكون هذا مخرجًا على الغالب.
(١) الطبراني في "الكبير" انظر "مجمع الزوائد" (٣/ ١٤٧).