مشهور قول مالك وأصحابه، وذهب أحمد بن حنبل وبعض أهل الظاهر وعبد الملك بن ماجشون وابن حبيب وأصحابنا، وروي عن عطاء ومالك إلى إيجابها على الناسي والعامد في الجماع، وحجتهم ترك استفسار النبي - عليه السلام - له، وأن قوله:"وقعت على امرأتي" ظاهره عموم الوقوع في العمد والجهالة والنسيان، إلا أن مالكًا والليث والأوزاعي وعطاء يلزمونه القضاء، وغيرهم لا يلزمه.
قلت: التكفير شرع لتمحيص الذنوب، والناسي غير مذنب ولا آثم فلا يلزمه الكفارة، ولأن صومه لا يفسد فلا يجب شيء.
الرابع: استدل به الجمهور على وجوب الكفارة على المجامع في نهار رمضان عامدًا، وإن كانوا اختلفوا في كيفية الكفارة، وقد قال بعضهم: لا كفارة على المجامع أصلا وإن تعمد، واغتروا في ذلك بقوله - عليه السلام - لما أمره أن يتصدق بالعَرَق من التمر وشكى الفاقة:"اذهب فأطعمه أهلك" فدل ذلك عندهم على سقوط الكفارة، ويروى ذلك عن ابن سيرين والنخعي والشعبي وسعيد بن جبير.
والجواب عن ذلك: أن الحديث ليس فيه ما يدل على إسقاط الكفارة جملة، وأنه محمول على أنه أباح له تأخيرها لوقت يُسْرِهِ لا على أنه أسقطها عنه، فافهم.
الخامس: استدل به الشافعي وداود وأهل الظاهر على مذهبهم في أنه لا يلزم في الجماع على الرجل والمرأة إلا كفارة واحدة؛ إذ لم يذكر له النبي - عليه السلام - حكم المرأة، وهو موضع البيان، والأوزاعي وافقهم إلا إذا كفَّر يالصيام فعليهما جميعًا.
وقال أبو حنيفة ومالك أبو ثور: تجب الكفارة على المرأة أيضًا إن طاوعته، قال القاضي: وسوّى الأوزاعي بين المكرهة والطائعة على مذهبه، وقال مالك في مشهور مذهبه في المكرهة: يكفر عنها بغير الصوم. وقال سحنون: لا شيء عليها ولا عليه لها، وبهذا قال أبو ثور وابن المنذر، ولم يختلف مذهبنا في قضاء المكرهة والنائمة إلا ما ذكر ابن القصار عن القاضي إسماعيل عن مالك: أنه لا غسل على الموطوءة نائمة ولا مكرهة ولا شيء عليها إلا أن تلتذ.