أراد بها الجواب عن ذلك، بيانه: أن دحية إنما ذمَّ مَن كان يرغب عن هدي رسول الله - عليه السلام - وسمْته، وعن هدي الصحابة - رضي الله عنهم -، فكل من صام في سفره، وهو راغب عن هَدْيه - عليه السلام - فهو مذموم بلا شك، وكل مَن صام وهو غير راغب عن هديه بل كائنًا على التمسك بهديه فهو محمود غير مذموم.
وقال البيهقي: وما روي عن دحية إن صح فكأنه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرخصة في السفر، وأراد بقوله:"رغبوا عن هدي رسول الله - عليه السلام - وأصحابه"، أي: في قبول الرخصة لا في تقدير السفر.
وقال الذهبي في "مختصر سننه": بل رغبوا عن هذا مع هذا.
قلت: يمكن أن يقال: إن دحية كان يرى هذا المقدار من السفر مبيحًا للفطر، وهؤلاء الذين صاموا لا يرون ذلك، فاعتقد دحية أنهم يرون أيضًا مثل رأيه وصاموا راغبين عن الرخصة؛ فلذلك ذمهم، فافهم.
ص: حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا أبو زرعة، قال: ثنا حيوة، قال: ثنا أبو الأسود، أنه سمع عروة بن الزبير يحدث، عن أبي مراوح الأسلمي، عن حمزة بن عمرو الأسلمي صاحب رسول الله - عليه السلام -: "أنه قال: يا رسول الله إني أسرد الصيام، أفأصوم في السفر؟ فقال رسول الله - عليه السلام -: إنما هي رخصة من الله -عز وجل- للعباد، مَن قَبِلها فحسن جميل، ومن تركها فلا جناح عليه، قال: وكان حمزة يصوم الدهر في السفر والحضر، وكان أبو مراوح كذلك، وكان عروة كذلك".
فدل ما ذكرنا عن رسول الله - عليه السلام - أن الصوم في السفر أفضل من الإفطار، وأن الإفطار إنما هو رخصة.
وقد حدثنا ربيع الجيزي، أنه قال: ثنا أبو زرعة، قال: ثنا حيوة، قال: ثنا أبو الأسود، عن عروة بن الزبير:"أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تصوم الدهر في السفر والحضر".
ش: ذكر هذا أيضًا تأييدًا لقوله: "فثبت بما ذكرنا أن الصوم في السفر أفضل من الفطر".