للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحركة فيه، فإن ذلك مكروه للتشبيه بهم، وأما إذا صامه لا لأجل ما ذكرنا من ذلك؛ فإن ذلك مباح مأجور فيه.

والدليل عليه ما روي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: "كان رسول الله - عليه السلام - أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت والأحد، وكان يقول: "إنهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم".

وأخرجه الحاكم في "مستدركه" (١).

ص: فإن قال قائل: فقد رخص في صيام أيام بعينها مقصودة بالصوم وهى أيام البيض، فهذا دليل أن لا بأس بالقصد بالصوم إلى يوم بعينه.

قيل له: إنه قد قيل: إن أيام البيض إنما أمر بصومها لأن الكسوف يكون فيها ولا يكون في غيرها، وقد أمر بالتقرب إلى الله -عز وجل- بالصلاة والعتاق في غير ذلك من أعمال البر عند الكسوف، فأمر بصيام هذه الأيام ليكون ذلك برًّا مفعولًا يعقب الكسوف، فذلك صيام غير مقصود به إلى يوم بعينه في نفسه، ولكنه صيام مقصود به في وقت شكرًا لله -عز وجل- لعارض كان فيه فلا بأس بذلك، وكذلك أيضًا يوم الجمعة إذا صامه رجل شكرًا لعارض من كسوف شمس أو قمر، أو لشكر الله -عز وجل-، فلا بأس بذلك وإن لم يصم قبله ولا بعده يومًا.

ش: تقرير السؤال أن يقال: إنكم قلتم: الأصل أن لا يقصد الرجل إلى صوم يوم بعينه من سائر أيام المشهور حتى إنه لا يقصد إلى صوم يوم عاشوراء أو يوم الجمعة لأعيانهما كما مر فيما مضى، فإذا كان كذلك ينبغي أن يكره الصوم في أيام البيض، ومع هذا فقد رخص في صومها بعينها مقصودة بالصوم فيها، فهذا ينافي ما ذكرتم من الأصل، ويقتضي أن لا يكره القصد بالصوم إلى يوم بعينه، أي يوم كان.

وتقرير الجواب أن يقال: إن السبب في ترخيص صيام أيام البيض كان لأجل كون كسوف الشمس فيها؛ لأنه لا يكون إلا ليلة البدر وهو الرابع عشر من الشهر


(١) "المستدرك" (١/ ٦٠٢ رقم ١٥٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>