ص: وكان من حجتهم فيما احتج به عليهم أهل المقالة الأولى: أنه قد روي عن رسول الله - عليه السلام - في إباحته القبلة للصائم ما هو أظهر من حديث ميمونة بنت سعد وأولى أن يؤخذ به، وهو ما حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب بن الليث، قال: ثنا الليث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري، عن جابر بن عبد الله، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال:"هششت يومًا فقبلت وأنا صائم، فأتيت رسول الله - عليه السلام - فقلت: فعلت اليوم أمًرا عظيمًا، فقبلت وأنا صائم. فقال رسول الله - عليه السلام -: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ فقلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله - عليه السلام -: ففيم؟! ".
حدثنا علي بن معبد، ثنا شبابة بن سوار، قال: ثنا ليث بن سعد ... فذكر بإسناده مثله.
فهذا الحديث صحيح الإسناد معروف الرواة، وليس لحديث ميمونة بنت سعد الذي رواه عنها أبو يزيد الضنِّي وهو رجل لا يعرف فلا ينبغي أن يعارض حديث من ذكرنا بحديث مثله، مع أنه قد يجوز أن يكون حديثه ذلك على معنًى خلاف معنى حديث عمر - رضي الله عنه - هذا، ويكون جواب النبي - عليه السلام - الذي فيه جوابًا لسؤال سئل في صائمين بأعيانهما على قلة ضبطهما لأنفسهما، فقال ذلك فيه ما، أي أنه إذا كانت القبلة منهما فقد كان معها غيرها مما قد يضرهما لأنفسهما.
وهذا أولى ما قد حمل عليه معناه؛ حتى لا يضاد غيره.
ش: أي: وكان من حجة أهل المقالة الثانية فيما احتج به عليهم أهل المقالة الأولى: أنه قد روي عن النبي - عليه السلام - حديث في إباحة القبلة للصائم، هو أصح من حديث ميمونة بنت سعد وأشهر، وهو حديث جابر، عن عمر بن الخطاب؛ فإن رجاله معروفون ثقات، فلا يعارضه حديث أبي يزيد الضني، وهو رجل لا يعرف، فحيئذٍ يسقط حديثه ولا يُعمل به، وقد ذكرنا أن ابن حزم ادعى أنه منسوخ، إن كان صحيحًا، وإنما قلنا: إن حديث جابر عن عمر أصح؛ لأن إسناده على شرط مسلم ورجاله رجال مسلم وغيره ما خلا ربيعًا، وهو أيضًا ثقة.