للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأراد بقوله: "تواترت": تكاثرت بأسانيد صحاح، لا التواتر المصطلح عليه في الأصول.

ص: فإن قال قائل: إن الحج لم يدخل في السفر الذي نهى عنه في تلك الآثار.

فالحجة على ذلك القائل حديث ابن عباس الذي بدأنا بذكره في هذا الباب إذ يقول: "خطب رسول الله - عليه السلام - فقال: لا تسافر امرأة إلَّا مع محرم. فقال له رجلٌ: إني أردت أن أُحِجَّ امرأتي، وقد اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا. فقال: اُحْجُجْ بأمرأتِكْ".

فدل ذلك على أنها لا ينبغي لها أن تحج إلَّا به، ولولا ذلك لقال رسول الله - عليه السلام -: وما حاجتها إليك، لأنها تخرج مع المسلمين وأنت فامْضِ لوَجْهك فيما اكتُتِبْت.

ففي ترك النبي - عليه السلام - أن يأمره بذلك، وأمره أن يحج معها؛ دليل على أنها لا يصلح لها الحجُّ إلَّا به.

ش: هذا السؤال من جهة هؤلاء القوم الذي قالوا: لا بأس أن تسافر المرأة بغير محرم، وتقريره أن يقال: إن الحج لم يدخل في النهي؛ لأنه محمول على الأسفار غير الواجبة، والحج فرض فلا يدخل في ذلك النهي.

وقال القرطبي: قال أبو حنيفة وأصحابه: لا تحج المرأة إلَّا مع ذي رحمٍ أو زوج وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور، وروي ذلك عن إبراهيم والحسن وفقهاء أصحاب الحديث، وذلك أنهم حملوا النهي على العموم في كل سفر، وحمله مالك و [من] (١) معه كالأوزاعي والشافعي على الخصوص، وأن المراد بالنهي عن الأسفار غير الواجبة، وقالوا: تخرج المرأة في حجة الفرض مع جماعة النساء في رفقة مأمونة وإن لم يكن معها محرم؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يحج معه نسوة من جيرانه، وهو قول عطاء وابن جبير وابن سيرين والحسن، وقال الحسن: المسلم محرم.


(١) ليست في "الأصل، ك".

<<  <  ج: ص:  >  >>