قلت: نعم، هذا هو القياس في هذا الباب، ولكن خُصَّ بحديث الفرك، ورُوي عن محمَّد أنه قال: إن كان المني غليظا فهو يطهر بالفرك، وإن كان رقيقا لا يطهر إلَّا بالغسل.
وقال: إذا أصاب المني ثوبا ذا طاقين فالطاق الأعلى يطهر بالفرك والأسفل لا يطهر إلَّا بالغسل؛ لأنه تصيبه البَلَّة دون الجرم، وهذه مشكلة فإن الفحل لا يمني حتى يمذي، والمَذْي -بالتخفيف- لا يطهر بالفرك، إلَّا أنه جعل المذي في هذه الحالة معلوما مستهلكا بالمني، فكان الحكم للمني دون المذي.
وقال الإِمام أبو إسحاق الحافظ: المني اليابس إنما يطهر بالفرك، إذا كان رأس الذكر طاهرا وقت خروجه بأن كان بال واستنجى، وأما إذا لم يكن طاهرا لا يطهر، قال: وهذا رواه الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، وكذلك إنما يتطهر المصاب بالفرك إذا خرج المني قبل خروج المذي، فأما إذا خرج المذي على رأس الإحليل، ثم خرج المني؛ لا يطهر الثوب بالفرك، ثم إذا فرك المني اليابس عن الثوب وحُكِمَ بطهاراته، ثم أصابه الماء، هل يعود نجسا؟ فهو على الروايتين عن أبي حنيفة، كذا في "المحيط".
وعن الفَضَلي: إن مني المرأة لا يطهر بالفرك؛ لأنه رقيق.
فإن قيل: ما تقى في رواية الدارقطني التي ذكرناها؟
قلت: إنما شبهه بالمخاط في لزوجته وقلة تداخله في الثوب، ولهذا أمره بإماطته، لأنه إذا أماطه عنه ذهب أكثره، وبقي القليل منه، مع أنه أمره بإماطته، والأمر للوجوب، ومن يقول بأنه طاهر لا يوجب إزالته.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون الأمر للإباحة؟
قلت: أعلى مراتب الأمر الوجوب، وأدناها الإباحة، وهنا لا وجه للثاني؛ لأنه - عليه السلام - لم يتركه على ثوبه أبدا، وكذلك الصحابة من بعده، والأصل في الكلام الكمال، فإذا أطلق اللفظ؛ ينصرف إلى الكامل، اللهم إلَّا أن يصرف ذلك عنه بقرينة تقوم، فتدل عليه حينئذ.