للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} (١) سماه ماءً وهو في الحقيقة ليس بماء، فدل أنه أراد به الشبيه في الحكم، ومن حكم الماء أن يكون طاهرا.

قلت: إن تسميته ماءً لا يدل على طهارته؛ فإن الله سمّى مني الدواب ماء بقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} (٢) ولا يدل ذلك على طهارة ماء كل الحيوان.

وقد قال الخطابي: حديث الفرك يدل على طهارة المني، وحديث الغسل لا يخالفه، إنما هو استحباب واستظهار بالنظافة، كما قد يغسل من النخامة والمخاط، والحديثان إذا أمكن استعمالهما؛ لم يجز أن يحملا على التناقض.

قلت: ما ادعى أحد المخالفة بين الحديثين ولا التناقض، وإنما يدل حديث الغسل على نجاسة المني، بدلالة غسله، وكان هذا هو القياس أيضًا في بابه، ولكنه خُصَّ بحديث الفرك كما قلنا، ولا نسلم أن غسل هذا مثل غسل النخامة والمخاط.

لأنه ورد في حديث أخرجه الدارقطني في "سننه" (٣): "يا عمار، ما نخامتك ولا دموعك إلَّا بمنزلة الماء الذي في ركوتك، إنما يُغسل الثوب من خمس: من البول، والغائط، والمني، والدم، والقيء" فانظر كيف ذكره بين الغائط والدم؟! والاستدلال به: أنه أمره بغسل الثوب عن المني بكلمة "إنما" وهي لإثبات المذكور ونفي ما عداه، وإثبات المذكور بنفي ما عداه يدل على التحقيق لا على البدل.

والثاني: أنه قرنه بالأشياء التي هي نجسة بالإجماع (٤)؛ فكان حكمه حكم ما قرن به؛ لأن القرآن في الجملة الناقصة.

فإن قيل: قد قال الدارقطني: لم يروه غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جدًّا.


(١) سورة الفرقان، آية: [٥٤].
(٢) سورة النور، آية: [٤٥].
(٣) "سنن الدارقطني" (١/ ١٢٧ رقم ١) بتقديم وتأخير في المتن.
(٤) الدم والقيء يختلف في نجاستهما، وإن نقل البعض فيهما الإجماع.

<<  <  ج: ص:  >  >>