للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قول عائشة -رضي الله عنها- في حديث محمد بن المنتشر: "فأصبح محرمًا" قرينة على أن المراد من قولها: "فطاف في نسائه" هو الوقاع على سبيل الكفاية لا التقبيل ولا اللمس، وهذا ظاهر لا يدفع؛ لأن المحرم ممنوع من الجماع، وربما يمكث الرجل في إحرامه مدة طويلة من الزمن، فلا يطوف من يريد الإِحرام على نسائه إلاَّ لأجل الوقاع، بخلاف قولها: "قل يوم -أو ما كان يوم- إلاَّ ورسول الله -عليه السلام- يطوف علينا" فإن هذا لا يشابه ما نحن فيه، فافهم.

وقوله: "وفي هذا دلالة على بقاء عينه ... إلى آخره" قد ذكرنا أن الثابت عن الطيب الذي طيبته به عائشة -رضي الله عنها- هو الذريرة وأن ذلك مما يذهبها الغسل فيحتمل أن يذهب ذلك عن بدنه ويبقى وبيضها، وكذلك المسك يحتمل أن يكون مخلوطًا بشيء آخر بحيث أنه قد تلبس بالبدن، فذهب عينه بالغسل وبقي وبيصه، وهذا يعرف بالمس لأن الوبيص يكون من دهنه وقد بين ذلك في حديث آخر: "ثم أرى وبيص الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك".

ثم إسناد حديث ابن المنتشر صحيح، وأخرجه عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري روى له الجماعة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر وثقه ابن حبان، عن أبيه محمد بن المنتشر روى له الجماعة، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.

وأخرجه مسلم (١): ثنا سعيد بن منصور وأبو كامل جميعًا، عن أبي عوانة -قال سعيد: أنا أبو عوانة- عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه قال: "سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرمًا، فقال: ما أحب أن أصبح محرمًا أنضح طيبًا، لأَن أُطْلَى بقطران أحب إليّ من أن أفعل ذلك، فدخلت على عائشة، فأخبرتها أن ابن عمر قال: ما أحب أن أصبح محرمًا أنضح طيبًا، لأن أطلي بقطران أحب إليَّ من أن أفعل ذلك، فقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله -عليه السلام- عند إحرامه، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح محرمًا".


(١) "صحيح مسلم" (٢/ ٨٤٩ رقم ١١٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>