للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قالوا: هذا غريب، وهذه الثلاث العُمر اللاتي وقعن في ذي القعدة ما عدا عمرته مع حجته فإنها وقعت في ذي الحجة مع حجته، وإن أراد ابتداء الإِحرام بهن في ذي القعدة فلعله لم يرد عمرة الحديبية؛ لأنه -عليه السلام- صُدَّ عنها ولم يفعلها، وكان نافع ومولاه ابن عمر ينكران كون رسول الله -عليه السلام- اعتمر من الجعرانة بالكلية وذلك فيما رواه البخاري (١) ومسلم قال نافع: "ولم يعتمر رسول الله -عليه السلام- من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف على عبد الله".

وروى مسلم (٢) عن نافع: "ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله -عليه السلام- من الجعرانة فقال: لم يعتمر منها" وهذا غريب جدًّا عن ابن عمر ومولاه نافع إنكارهما عمرة الجعرانة، وقد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد، وذكر ذلك أصحاب المغازي والسير كلهم، وهذا أيضًا كما ثبت في "الصحيحين" (٣): عن عائشة أنها أنكرت على ابن عمر قوله: إن رسول الله -عليه السلام- اعتمر في رجب، فقالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن، ما اعتمر رسول الله -عليه السلام- إلاَّ وهو شاهد وما اعتمر في رجب قط".

ص: فإن قال قائل: فكيف تقبلون هذا عن ابن عباس وقد رويتم عنه في الفصل الأول أن رسول الله -عليه السلام- تمتع؟ قيل له: قد يجوز أن يكون رسول الله -عليه السلام- أحرم في بدء أمره بعمرة فمضى فيها متمتعًا بها؟ ثم أحرم بحجة قبل طوافه فكان في بدء أمره متمتعًا وفي آخره قارنًا، فأخبر ابن عباس في الحديث الأول بتمتع رسول الله -عليه السلام- لينفي قول من كره المتعة، وأخبر في هذا الحديث الثاني بقرانه على ما كان صار إليه أمره بعد إحرامه بالحجة، فثبت بذلك أن رسول الله -عليه السلام- قد كان في حجة الوداع متمتعًا بعد إحرامه بالعمرة إلى أن أحرم بالحجة فصار بذلك قارنًا.


(١) "صحيح البخاري" (٣/ ١١٤٦ رقم ٢٩٧٥).
(٢) "صحيح مسلم" (٢/ ١٢٧٨ رقم ١٦٥٦).
(٣) "صحيح البخاري" (٢/ ٦٣٠ رقم ١٦٨٥)، و"صحيح مسلم" (٢/ ٩١٧ رقم ١٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>