ش: تقرير السؤال أن يكون: كيف تقبلون هذا الحديث وهو قوله: "اعتمر رسول الله ... " إلى آخره. والحال أنكم قد رويتم عنه أي عن ابن عباس في الفصل الأول أنه -عليه السلام- تمتع وبين الروايتين منافاة؟ والجواب ظاهر وفهم من كلامه، أن من أحرم بعمرة لأجل التمتع إذا أحرم قبل طوافه للعمرة وأن ذلك يجوز، وإذا أحرم بحجة بعد طوافه للعمرة لا يكون قارنًا بل يكون متمتعًا وظهر من هذا أيضًا أن من ذهب إلى أن النبي -عليه السلام- كان متمتعًا في حجته كان معناه بالنظر إلى بداية أمره ومن ذهب إلى أنه كان قارنًا كان معناه بالنظر إلى نهاية أمره؛ لأنه -عليه السلام- لما أحرم بالحجة بعد إحرامه للعمرة قبل الطواف صار قارنًا لما قلنا، والاعتبار لخاتمة الأعمال، فلذلك ذهب الكوفيون أنه -عليه السلام- كان قارنًا في حجته حتى قال أحمد بن حنبل: لا شك أنه -عليه السلام- كان قارنًا والمتعة أحب إليَّ، فقال ابن جرير الطبري: إن جملة الحال له أنه لم يكن متمتعًا؛ لأنه قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة، ولا كان مفردًا لأن الهدي كان معه واجبًا كما قال وذلك لا يكون إلاَّ للقارن، ولأن الروايات الصحيحة تواترت بأنه قرنهما جميعًا، فكان من زاد أولى، ووجه الاختلاف: أن النبي -عليه السلام- لما كان عند الإِحرام جعل يلبي تارة بالحج وتارة بالعمرة وتارة بهما جميعًا ثم إن الذين رووا الإِفراد اختلف عنهم ومن روى القران لم يختلف عليه فالأخذ بقول من لم يختلف عليه أولى، ولأن معه زيادة وهي مقبولة من الثقة والله أعلم.
ص: وقد حدثنا فهد قال: ثنا النفيلي قال: ثنا زهير بن معاوية قال: ثنا أبو إسحاق عن مجاهد قال: "سئل ابن عمر -رضي الله عنهما-: كم اعتمر رسول الله -عليه السلام-؟ فقال: مرتين، فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله -عليه السلام- قد اعتمر ثلاثًا سوى عمرته التي قرنها بحجته".
ش: إسناده صحيح والنفيلي هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل أبو جعفر الحراني شيخ البخاري وأبي داود وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وذكره لدلالته أن رسول الله -عليه السلام- كان قارنًا في حجته وذلك لأن قول عائشة:"سوى عمرته التي قرنها بحجته" نص صريح على أنه -عليه السلام- كان قارنًا.