للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك المنازل الثلاثة إما متمتع وإما مفرد وإما قارن، فأولى بنا أن ننظر إلى معاني هذه الآثار ونكشفها لنعلم من أين جاء اختلافهم فيها ونقف من ذلك على إحرامه - صلى الله عليه وسلم - ما كان؟ فاعتبرنا ذلك فوجدنا اللين يقولون: إنه أفرد يقولون: كان إحرامه بالحج مفردًا لم يكن من قبل ذلك إحرام بغيره، وقال آخرون: بل قد كان قبل إحرمه بتلك الحجة أحرم بعمرة ثم أضاف إليها هذه الحجة، هكذا يقول الذين قالوا: قرن، وقد أخبر جابر -رضي الله عنه- في حديثه وهو أحد الذين قالوا: إن النبي -عليه السلام- أن رسول الله -عليه السلام- أحرم بالحجة حين استوت به ناقته على البيداء وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: من عند المسجد وهو أيضًا ممن قال: إن رسول الله -عليه السلام- أفرد الحج في أول إحرامه، وكان بدء إحرمه -عليه السلام- عند ابن عمر وجابر بعد خروجه من المسجد، وقد ثبتنا عنه فيما تقدم من كتابنا هذا أنه قد كان أحرم في دبر الصلاة في المسجد فيحتمل أن يكون الذين قالوا: قرن سمعوا تلبيته في المسجد بالعمرة ثم سمعوا بعد ذلك تلبيته الأخرى خارجًا من المسجد بالحج خاصة فعلموا أنه قرن وسمعه الذين قالوا: إنه أفرد وقد لبى بالحج خاصة ولم يكونوا سمعوا تلبيته قبل ذلك بالعمرة فقالوا: أفرد وسمعه قوم أيضًا، وقد لبى في المسجد بالعمرة ولم يسمعوا تلبيته بعد خروجه منه بالحج، ثم رأوه بعد ذلك يفعل ما يفعل الحاج في الوقوف بعرفة وما أشبه ذلك وكان ذلك عندهم بعد خروجه من العمرة فقالوا: تمتع، فروى كل قوم ما علموا وقد دخل جميع ما علمه الذين قالوا أفرد وما علمه الذين قالوا: إنه تمتع فيما علم الذين قالوا: إنه قرن، لأنهم أخبروا عن تلبيته بالعمرة ثم بالحجة بعقب ذلك وصار ما ذهبوا إليه من ذلك وما رووا أولى مما ذهب إليه من خالفهم وما رووا ثم قد وجدنا بعد ذلك أفعال رسول الله -عليه السلام- تدل على أنه قد كان قارنًا وذلك أنه -عليه السلام- لا يختلف عنه أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلَّا من كان ساق منهم هديَّا، وثبت هو على إحرامه فلم يحل منه إلَّا في وقت ما يحل الحاج من حجه وقال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة، فمن كان ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة" هكذا حكاه عنه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- وهو ممن يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>