الحديثان جميعًا، فكان رسول الله -عليه السلام- قد كان متمتعًا إلى أن أحرم بالحجة فصار قارنًا، وإن جعلنا إحرامه بالحجة كان بعد طوافه للعمرة جعلناه متمتعًا ونفينا أن يكون قارنًا فجعلناه متمتعًا في حال، قارنًا في حال فثبت بذلك أن طوافه للعمرة كان بعد إحرامه بالحجة وثبت بذلك أن رسول الله -عليه السلام- كان في حجة الوداع قارنًا.
ش: أي فقد اختلف العلماء والفقهاء من أصحاب المذاهب عن النبي -عليه السلام- في صفة إحرامه في حجة الوداع ما كان مفردًا أو متمتعًا أو قارنًا؟ فذكروا في ذلك ما روي في هذا الباب من الأحاديث وتنازعوا في ذلك ولا شك أنه كان على واحد من هذه الثلاثة، فالطريقة في معرفة ذلك النظر إلى معاني هذه الآثار والكشف التام حتى نعلم من أين جاء هذا الاختلاف، ثم يوقف على إحرامه -عليه السلام- بأيهما كان، فالذين قالوا: إنه كان مفردًا يدعون أن إحرامه بالحج كان مفردًا لم يكن منه أحرام آخر قبل ذلك والذين قالوا: إنه كان قارنًا أو متمتعًا يدعون أنه كان قد أحرم بعمرة قبل إحرامه بالحج ومنشأ الاختلاف من وقت وجود إحرامه -عليه السلام- وقد كان جابر أخبر في حديثه أنه أحرم حين استوت به ناقته على البيداء وابن عمر أخبر أنه أحرم من عند المسجد، والحال أن كلاًّ منهما ممن روى أنه أفرد، وجاء عن ابن عمر أنه أحرم في دبر الصلاة في المسجد، فالذين قالوا: إنه قرن يحتمل أن يكونوا سمعوا تلبية النبي -عليه السلام- بالعمرة في المسجد ثم سمعوا بعده تلبيته بالحج خارج المسجد فحكموا بذلك أنه قرن والذين قالوا: إنه أفرد يحتمل أن يكونوا سمعوا تلبيته بالحج وحدها ولم يسمعوا تلبيته بالعمرة قبل ذلك فحكموا به أنه أفرد والذين قالوا: إنه تمتع يحتمل أن يكونوا سمعوا تلبيته بالعمرة في المسجد فقط ولم يسمعوا تلبيته بالحج بعد ذلك، ثم زاد النبي -عليه السلام- بعد ذلك فعل ما يفعله الحاج الفرد من الوقوف بعرفة ومزدلفة ونحو ذلك وكان ذلك عندهم بعد أن علموا خروجه -عليه السلام- من العمرة فحكموا بذلك أن تمتع فهذا هو أصل الاختلاف ومنشأه ثم حُكم من حكم بالقران أولى والأخذ به أحق وأفضل؛ لأن ما حكم به الفريقان الآخران داخل فيما حكم به من حكم بالقران؛ لأنهم أخبروا عن تلبيته بالعمرة ثم عن تلبيته بالحجة عقبها وهذا