وكل دم يجب لترك شيء من الحجة لا يؤكل [شيء من](١) ذلك فكان كل دم وجب لإِساءة أو نقصان لا يؤكل منه، وكان دم المتعة والقران يؤكل منهما، فثبت أنهما وجبا لمعنى خلاف الإِساءة والنقصان، فهذه حجة قاطعة على من كره القران والتمتع بالعمرة إلى الحج.
ش: أراد بقوله: "بما وصفنا" ما ذكره في حديث ابن عباس المذكور عن قريب الذي فيه إباحة العمرة في أشهر الحج، ثم بين أن دم المتعة والقران دم شكر لا دم نقصان؛ لأنا رأينا الدماء الواجبة عن الجنايات لا يؤكل منها شيء، ورأينا دم المتعة والقران يؤكل منه شيء، والدليل عليه حديث جابر -رضي الله عنه- فإنه يخبر أن رسول الله -عليه السلام- أكل من الذي ذبحه في قرانه، فدل أنه أنما وجب شكرًا ولم يجب جبرًا لنقصان أو لأجل إساءة، وفي هذا الباب خلاف بين السلف، فرُوي عن نافع عن ابن عمر قال: يؤكل من كل شيء إلَّا من جزاء الصيد أو النذر، وقاله علي، قال: ولا مما جعل للمساكين.
وقال الحسن: يؤكل من كل شيء إلَّا في جزاء الصيد.
وقال الأوزاعي: يؤكل من الهدي خمسة أنواع: النذر والمتعة والتطوع والوصية والمحصر، إلَّا الكفارات كلها.
وقال أبو حنيفة: لا يؤكل من شيء من الهدي إلَّا المتعة والقران والتطوع إذا بلغ محله، وقيل: يؤكل من كل ذلك إلَّا التطوع وجزء الصيد وفدية الأذى ونذر المساكين.
وعند الشافعي: لا يؤكل من دم المتعة والقران، وقد بينا ذلك في الفروع.
قوله:"وكذلك رسول الله -عليه السلام- فعله" أي فعل الأكل من دم المتعة والقران، ثم بين ذلك بقوله: حدثنا محمد بن خزيمة ... إلى آخره وإسناده صحيح وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني روى له الجماعة،
(١) في "الأصل، ك": "من شيء"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".