على أنه قصر هذا الحكم على الخمس المنصوص عليه في الحديث، ولكن الذي يفهم من كلامه ها هنا أن للمحرم قتل الحية لورود الحديث بذلك عمومًا وخصوصًا، على ما يأتي ذكره عن قريب إن شاء الله، ولا يقال: إنه ينافي ما ذكره من قوله: ينفي أن يكون أشكال شيء من ذلك كحكم الخمس، لأنا نقول: إنه دفع هذا بقوله إلَّا ما اتفق عليه من ذلك أن النبي -عليه السلام- عناه أي قصده، والحية من جملة ما عَنَاه من ذلك، على ما يأتي من حديث عبد الله بن مسعود:"أن النبي -عليه السلام- أمرهم بقتل الحية في منى". وجاء أحد الخمس الحية فيما رواه أبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري كما ذكرناه الآن.
ص: فإن قال قائل فقد رأينا الحية مباح قتلها في ذلك كله، وكذلك جميع الهوام فإنما ذكر النبي -عليه السلام- من ذلك العقرب خاصة، فجعلتم كل الهوام كذلك فما تنكرون أن تكون السباع كذلك أيضًا، فيكون ما ذكر إباحة قتله منها إباحة لقتل جميعهن.
قيل له: قد أوجدنا له عن النبي -عليه السلام- نصًّا في الضبع وهي من السباع، أنها غير داخلة فيما أباح قتله من الخمس، فثبت بذلك أن النبي -عليه السلام- لم يرد قتل سائر السباع بإباحته قتل الكلب العقور، وإنما أراد بذلك خاصًّا من السباع، ثم قد رأيناه أباح مع ذلك أيضًا قتل الغراب والحداءة وهما من ذوي المخلب من الطير، وقد أجمعوا أنه لم يرد بذلك كل ذي مخلب من الطير، لأنهم قد أجمعوا أن العقرب والصقر والبازي ذوو مخلب غير مقتولين في الحرم كما يقتل الغراب والحداءة، وإنما الإِباحة من النبي -عليه السلام- لقتل الغراب والحداءة عليها خاصة لا على ما سواهما من كل ذي مخلب من الطير، وأجمعوا أن النبي -عليه السلام- أباح قتل العقرب في الإِحرام والحرم، وأجمعوا أن جميع الهوام مثلها، وأن مراد النبي -عليه السلام- بإباحة قتل العقرب قتل جميع الهوام، فذو الناب من السباع بذي المخلب من الطير أشبه منه بالهوام، مع ما قد بين ذلك، وشدَّه ما رواه جابر عن النبي -عليه السلام- في حديث الضبع.
ش: تقرير السؤال أن يقال: إن الحية يباح قتلها لكل أحد في كل الأحوال وكل الأمكنة، وكذلك سائر الهوام القتالة كالرتيلاء والزنبور وأم أربعة وأربعين