للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- رَمَل الأشواط كلها، وقد كان في بعضها حيث يراه المشركون وفي بعضها حيث لا يرونه، ففي رمله حيث لا يرونه دليل على أنه ليس من أجلهم رَمَل، ولكن لمعنىً آخر.

ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن ابن عباس، حيث قال في حديثه: "فرمل بالبيت ثلاثًا".

أخرجه بإسناد صحيح: عن ابن خزيمة، عن حجاج بن منهال شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة.

وأخرجه أبو داود (١): نا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد، قال: ثنا عبد الله ابن عثمان بن خثيم، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس: "أن رسول الله -عليه السلام- وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت ثلاثاً، ومشوا أربعًا".

وأخرجه ابن ماجه (٢) بنحوه.

قوله: "ففي هذا الحديث ... إلى آخره" بيانه أن في هذا الحديث: رمل في هذه الأشواط الثلاثة كلها يعني من الحجر إلى الحجر، وقد كان في بعضها حيث يراه المشركون، يعني من ناحية جبل قعيقعان لأنهم كانوا عليه، وفي بعضها حيث لا يرونه، يعني من ناحية ما بين الركن اليماني والحجر؛ لأن الكعبة كانت تحجز بينه وبينهم، ففي رمله في هذا الموضع دليل على أنه -عليه السلام- لم يكن رمل من أجلهم، بل إنما رَمَل لمعنى آخر، إذ لو كان رمله لأجلهم لكان يتركه حين يتوارى عنهم، فَعُلِمَ من ذلك أنه سُنة لا تترك، ومن هذا يخرج الجواب عما يقال: إن سبب الرمل ارتفع، فينبغي أن يرتفع الحكم الدائر عليه، ولئن سلمنا أن سبب الرمل كان لإِظهار الجلادة وإبداء القوة للمشركين، وأنه ارتفع، فلا نسلم أن يرتفع الحكم بارتفاع السبب؛ لأن بقاء السبب ليس بشرط لبقاء الحكم، كالبيع والنكاح وغيرهما.


(١) "سنن أبي داود" (٢/ ١٧٧ رقم ١٨٨٤).
(٢) "سنن ابن ماجه" (٢/ ٩٨٤ رقم ٢٩٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>