سوى ذلك فلا، وقد نهى رسول اللَّه -عليه السلام- نهيًا عامًّا عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، ونصف النهار، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغيب الشمس، وتواترت بذلك الآثار عن رسول اللَّه -عليه السلام- وقد ذكرت ذلك بأسانيده في غير هذا الموضع من هذا الكتاب.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: مجاهدًا وسعيد ابن جبير، والحسن البصري والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا؛ فإنهم كرهوا الصلاة للطواف بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس.
قوله:"فقالوا" أي هؤلاء الآخرون، وأراد به نفي صحة استدلال القوم المذكورين بهذه الآثار المذكورة عن ابن عباس وجبير بن مطعم -رضي الله عنهم-، بيانه: أن المراد من هذه الآثار هو إباحة رسول اللَّه -عليه السلام- الطواف والصلاة إذا وقعا على سبيل ما ينبغي وقوعهما، وليس المرإد إباحتهما مطلقًا، وكيف يراد الإِطلاق وقد نهى رسول اللَّه -عليه السلام- نهيًا عامًا عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند استوائها، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب، وقد مضى ذكر هذا عن ابن عباس وغيره في باب: الركعتين بعد العصر.
قوله:"وتواترت بذلك الآثار" أي بالنهي عن الصلاة في هذه الأوقات، وأراد بالتواتر التكاثر والتظاهر، ولقد ذكرنا هناك أن تسعة عشر من الصحابة -رضي الله عنهم- قد أخرجوا في كراهة الصلاة بعد العصر وبعد الصبح، وقد أجاب بعضهم عن الحديث المذكور بأنه محمول على الدعاء لا الصلاة الحقيقية، وهو بعيد.
وقال آخرون: هو محمول على غير أوقات النهي؛ لأن هذا عامٌّ في الإِباحة وحديث النهي خاص في التحريم، فيحمل على ما عداه، ولأن الإِباحة والتحريم إذا اجتمعا عُمِلَ بالتحريم؛ لأنه الأحوط في الدين.