للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "مكث تسع سنين" يعني في المدينة، وقد روي "أنه -عليه السلام- حج على الفور، وكان فرض الحج سنة تسع وقيل: خمس، والأول أصح.

وأول من أقام للمسلمين الحج عتاب بن أسيد سنة ثمان، ثم أبو بكر سنة تسع، وحج -عليه السلام- سنة عشر، وقد اختلفوا في حجة أبو بكر -رضي الله عنه- سنة تسع، هل كانت حجة الإِسلام بعد نزول فرضها وهو الأظهر؛ لوقوف جميع الناس بعرفة، ولإِنذار علي -رضي الله عنه- فيها بمرأة، وفيها ذكر النسيء وشرائع الحج، وقيل: بل كانت على غير الفرض وعلى ما كانت عليه قبل الإِسلام، والأول أظهر.

قوله: "كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله -عليه السلام-" دليل على أنهم كانوا كلهم حجاجًا؛ إذ كان -عليه السلام- أحرم بالحج لائتمامهم به، وبعيد أن يخالفوه فيما أحرم به.

قوله: "فأهل التوحيد" إشارة إلى قوله: "لا شريك لك"، ومخالفة لقول المشركين في تلبيتهم من الإِشراك.

قوله: "لسنا ننوي إلَّا الحج ولا نعرف العمرة" استدل به من كان يذهب إلى أنه -عليه السلام- كان مفردًا بالحج في حجة الوداع، وأن الإِفراد أفضل، قلنا: لا يستلزم هذا الكلام كون النبي -عليه السلام- مفردًا؛ وذلك لأنهم لم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج ويعدونها من أفجر الفجور، ففي الابتداء كان النبي -عليه السلام- محرمًا بحجة حين قدم مكة ثم فسخ ذلك بعمرة، ثم أقام عليها على أنها عمرة، وقد عزم على أن يحرم بعدها بحجة، فكان في ذلك متمتعًا، ثم لم يطف للعمرة حتى أحرم بالحجة، فصار قارنًا بذلك. فهذا هو الوجه في التوفيق بين الروايات التي جاءت بأنه -عليه السلام- كان مفردًا أو متمتعًا أو قارنًا، فافهم فإنه مَدْرَك دَقِيق.

قوله: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي" هذا القول منه -عليه السلام- كان تطييبًا لأنفسهم لما رأى من توقفهم عن الإِحلال إذ لم يحل هو، لما كانوا من التأسي به حتى لا يجدوا في أنفسهم أنه يأمرهم بخلاف ما يفعله في نفسه،

<<  <  ج: ص:  >  >>