ش: أراد بهذه الآثار الأحاديث التي رواها في هذا الباب، وأراد بقوله:"فقد بيَّن رسول -عليه السلام-" ما بينه في حديث بلال بن الحارث -رضي الله عنه- وأراد بقوله:"وخلطنا بما روى عن النبي -عليه السلام- في ذلك ما رويناه عمن ذكرنا في هذا الفصل" أي الفصل الثاني الذي ذهب إليه أهل المقالة الثانية ما رواه عن جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- وهم: أبو ذر الغفاري، وعثمان بن عفان، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وبعض أجداد كثير بن عبد الله، وعبد الله بن هلال المزني -رضي الله عنهم-.
قوله:"من جهة ما وُقِّفُوا" عليه على صيغة المجهول، أراد أنهم قالوا ذلك من جهة التوقيف من النبي -عليه السلام-؛ لأن ذلك ليس مما يعلم بالرأي.
فإن قيل: وكيف يكون ذلك وقد قال -عليه السلام- لسراقة بن مالك:"بل لأبد الأبد" حين قال: "يا رسول الله هي لنا أو للأبد" وفي رواية "لعامنا هذا أم للأبد"؟
قلت: أراد به سراقة: عمرتنا هذه في أشهر الحج لنا في هذا العام أو للأبد -أو لعامنا هذا أم للأبد- فأجاب رسول الله -عليه السلام- فقال: هي للأبد، وذلك لأنهم لم يكونوا يعرفون العمرة إلا في غير أشهر الحج، فلما أمرهم النبي -عليه السلام- بأن يجعلوا حجتهم عمرة وكان ذلك في أشهر الحج اشتبه على سراقة أن هذا في هذه السنة أم للأبد، فأزال رسول الله -عليه السلام- ما شك فيه بقوله:"بل هي للأبد"، ألا ترى كيف صرَّح في رواية النسائي بقوله:"يا رسول الله أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أو للأبد؟ قال: هي للأبد"، فثبت من هذا شيئان:
الأول: أن الفسخ كان لهم خاصة.
والثاني: أن إجازة العمرة في أشهر الحج كان لهم وللناس من بعدهم إلى يوم القيامة.
قوله:"لا يكون بالطواف بالبيت" أراد به الطواف قبل وقوفه بعرفة، وفي بعض النسخ:"لا يكون إلاَّ بالطواف بالبيت" فإن صح هذا فيكون المراد من الطواف هو طواف الزيارة يوم النحر؛ لأن المحرم لا يخرج منه إلاَّ يوم النحر، فافهم.