حديثيهما أن رسول الله -عليه السلام- قال ذلك القول في آخر طواف على المروة، وقد مرَّ هذا في باب من أحرم بحجة فطاف لها قبل أن يقف، وهو الباب الذي أراد بقوله:"رويناهما عنهما في باب: فسخ الحج.
فإذا كان الأمر كذلك، علم أن قول عائشة في حديث مالك: "وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة" أنهما أرادت بذلك جمع متعة لا جمع قران؛ لأن حديث جابر قد فسر أن قوله -عليه السلام-: "من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة" إنما كان في آخر طواف على المروة، ولا شك أن الذي يهل بالحج بعد الطواف للعمرة يكون جامعًا بين الحج والعمرة للمتعة لا للقران، فبهذا حصل التوفيق أيضًا بين حديثي عائشة اللذين بينهما تضاد ظاهرًا.
وعلم أيضًا أنه ليس في حديثهما ما يدل عل حكم القارن حجة كوفيَّة مع عمرة كوفية كيف طوافه لهما، هل هو طواف واحد أو طوافان؟ وذلك لأن حجتهم تلك المضمومة إلى عمرة كانت مكيَّة، والحجة المكية لا يطاف لها قبل عرفة، وإنما يطاف لها بعدها عل ما كان عبد الله بن عمر يفعل كذلك، وقد مرَّ هذا في حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر في هذا الباب عن قريب.
وقد شنع البيهقي في هذا الموضع في كتاب "المعرفة" (١) على الطحاوي وقال: وزعم بعض من يدعي تصحيح الأخبار على مذهبه أنهما أرادت بهذا الجمع جمع متعة لا جمع قران، قالت: فإنما طافوا طوافًا واحدًا في حجتهم؛ لأن حجتهم كانت مكية والحجة المكية لا يطاف لها قبل عرفة، وكيف استجاز لدينه أن يقول مثل هذا؟! وفي حديثها أنها أفردت من جمع بينهما جمع متعة أولاً بالذكر، فذكرت كيف طافوا في عمرتهم، ثم كيف طافوا في حجتهم، ثم لم يبق إلاَّ المفردون والقارنون فجمعت بينهم في الذكر، وأخبرت أنهم إنما طافوا طوافًا واحدًا، وإنما أرادت بين الصفا والمروة لما ذكرنا من الدلالة مع كونه معقولًا، ولو اقتصرت على اللفظة الأخيرة لم