للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجمعوا أيضًا أن قوله: "نهارًا" أن الوقوف بالنهار لا يضره إن فاته؛ لأن السائل يعلم أنه إذا وقف بالنهار فقد أدرك الوقوف بالليل، فأعلمه -عليه السلام- أنه إذا وقف بالليل وقد فاته الوقوف بالنهار أن ذلك لا يضره، لا أنه أراد بهذا القول أن يقف بالنهار دون الليل، وقال أبو الفتح: معناه: ليلاً، أو نهارًا وليلاً، فسكت عن أن يقول: وليلًا لعلمه بما قدم من فعله، فكأنه أراد بذكر النهار إيصال الليل، قال: ويحتمل أن تكون "أو" بمعنى "الواو"، فكأنه قال: ليلاً ونهارًا.

قلت: فيه نظر؛ لأن "أو" لو كان بمعنى "الواو" لكان الوقوف واجبًا ليلاً ونهارًا لم يغن أحدهما عن صاحبه وهذا لا يقوله أحد، وجماعة العلماء يقولون: من وقف بعرفة ليلاً أو نهارًا بعد الزوال من يوم عرفة أجزأه إلاَّ مالك بن أنس فإنه انفرد بقوله: لا بد من الوقوف بجزء من الليل مع النهار، حتى قال مالك: مَن دفع من عرفة قبل الغروب فعليه الحج قابلا [إلا] (١) أن يعود إليها قبل الفجر، فإن عاد فلا دم عليه.

وقال سائر العلماء: من وقف بعرفة بعد الزوال فحجه تام وإن دفع قبل الغروب.

وقال الشافعي: فإن عاد حتى يدفع بعد مغيب الشمس فلا شيء عليه وإن لم يرجع حتى طلع الفجر أجزأه وأهراق دمًا.

وقاله أحمد وإسحاق والطبريّ وداود وعامة العلماء إلاَّ الحسن البصري وابن جريج قالا: لا يجزئه إلاَّ بدنة، وقال الثوري وأبو حنيفة: إذا أفاض من عرفة قبل الغروب أجزأه وعليه دم، وإن رجع بعد الغروب لم يسقط عنه الدم.

ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن الوقوف بالمزدلفة فرض لا يجوز الحج إلاَّ بإصابته، واحتجوا في ذلك بقوله الله -عز وجل-: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (٢) وبهذا الحديث الذي رويناه، وقالوا:


(١) في "الأصل، ك": "إلى"، وهو خطأ.
(٢) سورة البقرة، آية: [١٩٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>