ذكر الله -عز وجل- في كتابه المشعر الحرام كما ذكر عرفات وذكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنته، فحكمهما واحد، لا يجزىء الحج إلاَّ بإصابتهما.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: علقمة والشعبي والنخعي والحسن البصري والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان؛ فإنهم قالوا: الوقوف بالمزدلفة فرض كالوقوف بعرفة، وإليه ذهب ابن بنت الشافعي وابن خزيمة الشافعي، وأبو عُبيد القاسم بن سلام، وهو مذهب الظاهرية أيضًا.
قوله:"واحتجوا في ذلك". أي احتج هؤلاء القوم فيما ذهبوا إليه من فرضية الوقوف بمزدلفة بالكتاب والسُنَّة، أما الكتاب فقوله تعالى:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}(١)، وقالوا: ذكر الله -عز وجل- المشعر الحرام كما ذكر عرفات، فيصير الوقوف به فرضًا كالوقوف بعرفة.
وأما السُنَّة فهي حديث عروة بن مضرس المذكور.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: أما الوقوف بعرفة فهو من صلب الحج الذي لا يجزي الحج إلاَّ بإصابته، وأما الوقوف بمزدلفة فليس كذلك.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم الزهري وقتادة ومجاهدًا والثوري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور، فإنهم قالوا: الوقوف بمزدلفة ليس كالوقوف بعرفة من صلب الحج الذي لا يجري الحج أصلاً إلاَّ به. وأما الوقوف بمزدلفة فهو من سنن الحج المؤكدة لا من فروضها.
ثم تفصيل أقوالهم: أن مالكًا قال: من لم ينزل بها وتقدم إلى منى فعليه دم، وإن نزل بها في أول الليل أو آخره وترك الوقوف مع الإِمام فلا شيء عليه.
وقال نحوه الزهري والثوري وأحمد وإسحاق: إذا لم يقف بها ولم ينزل بها.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن لم يقف بها ولم يمر بها ولم يبت فيها فعليه دم، وكذلك إن بات بها وتعجل من غير عذر ليلاً ولم يرجع حتى يقف مع