للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "وكذلك ذكر الله -عز وجل- المشعر الحرام ... إلى آخره"، أراد أن ذكر الله -عز وجل- المشعر الحرام لا يستلزم وجوب الذكر عند الجميع، فإذا لم يكن الذكر المذكور في الآية فرضًا، فالوقوف فيه الذي ليس بمذكور أولى وأحرى ألَّا يكون فرضًا.

ومن الناس من يقول: إن هذا الذكر هو صلاة المغرب والعشاء اللتين يجمع بينهما بالمزدلفة، والذكر الثاني في قوله: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} (١) هو الذكر المفعول عند الوقوف بالمزدلفة غداة جمع، فيكون الذكر الأول غير الثاني، والصلاة تسمى ذكرًا، قال -عليه السلام- (٢): "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، وتلا عند ذلك قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (٣) فسمى الصلاة ذكرًا، فعلى هذا اقتضت الآية تأخير صلاة المغرب إلى أن تجمع مع العشاء بالمزدلفة.

وأما الجواب عن استدلالهم بحديث عروة بن مضرس فهو قوله: "وأما في حديث عروة بن مضرس ... إلى آخره" حاصله أنهم اتفقوا على أن ترك الصلاة هناك لا يفسد الحج، وقد ذكرها النبي -عليه السلام- فكذلك الوقوف.

فإن قيل: روى مطرف بن طريف، عن الشعبي، عن عروة بن مضرس، عن النبي -عليه السلام- قال: "من أدرك جمعًا والإِمام واقف فوقف مع الإِمام ثم أفاض مع الناس فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك فلا حج له".

قلت: قد روى هذا الحديث جماعة حفاظ عن الشعبي مثل زكرياء وداود بن أبي هند وإسماعيل بن أبي خالد وعبد الله بن أبي السفر وسيار وغيرهم ولم يذكر فيه أحد منهم: "فلا حج له"، ولئن سلمنا أن هذا صحيح، فمعناه أنه محمول على نفي


(١) سورة البقرة، آية: [١٩٨].
(٢) متفق عليه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، البخاري (١/ ٢١٥ رقم ٥٧٢)، ومسلم (١/ ٤٧٧ رقم ٦٨٤).
(٣) سورة طه، آية: [١٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>