للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك في قوله: "الحج عرفة" إظهار شيء تقديره: معظم الحج الوقوف يوم عرفة، ولا بد من هذا التقدير ليصح وقوع الخبر عن الحج؛ لأن الحج فعل وعرفة مكان ويوم عرفة زمان، فلا يصح أن يكون خبرًا عنه، فكان فيه مضمر في الموضعين وهو قولنا: معظم الحج الوقوف يوم عرفة، والمجمل إذا التحق به التفسير يصير معتبرًا من الأصل، فكأنه قال: الحج الوقوف بعرفة وظاهره يقتضي أن يكون هو الركن لا غير، إلاَّ أنه زيد عليه طواف الزيارة بدليل آخر قوله: "أيام التشريق" بالرفع بدل من قوله: "أيام منى ثلاثة"، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي أيام التشريق، وتكون الجملة في موضع البيان والتفسير عن الجملة الأولى.

وقال الجصاص في "أحكامه": اتفق أهل العلم على أن هذا بيان لمراد الآية في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (١) ولا خلاف بين أهل العلم أن المعدودات أيام التشريق، وقد روي ذلك عن علي وعمر وابن عباس وابن عمر وغيرهم، إلاَّ شيئًا رواه ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن زر، عن علي -رضي الله عنه- قال: "المعدودات: يوم النحر، ويومان بعده، اذبح في أيها شئت" (٢).

وقد قيل: إن هذا وهم، والصحيح عن علي أنه قال ذلك في المعلومات، وظاهر الآية ينفي ذلك أيضًا؛ لأنه قال: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، وذلك لا يتعلق بالنحر وإنما يتعلق برمي الجمار المفعول في أيام التشريق.

قوله: "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه". يعني إذا نفر في اليومين ولم يصبر إلى اليوم الثالث للرمي فلا إثم عليه في تعجيله.

روي هذا المعنى عن الحسن وغيره، وقد قيل: معناه: فلا إثم عليه لتكفير سيئاته وذنوبه بالحج المبرور.

وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود وغيره.


(١) سورة البقرة، آية: [٢٠٣].
(٢) أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (٢٣/ ١٩٧)، وابن حزم في "المحلى" (٧/ ٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>