قوله:"ومن تأخر فلا إثم عليه". أي: ومن لم ينفر في اليومين وتأخر إلى اليوم الثالث فلا إثم عليه؛ لأنه يباح له التأخير.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: فرضية الوقوف بعرفة؛ لما ذكرنا.
والثاني: استدل بقوله: "ومن أدرك جمعًا قبل صلاة الصبح فقد أدرك الحج" جماعة من الظاهرية عل فرضية الوقوف بمزدلفة، وقال الجصاص: وهو مذهب الأصم وابن عُليَّة أيضًا، وقال: إن رواية من روى: "من أدرك جمعًا قبل الصبح" وهمٌ، وكيف لا يكون وهمًا وقد نقلت الأمة عن النبي -عليه السلام- وقوفه بعد طلوع الفجر ولم يرو عنه أنه أمر أحدًا بالوقوف بها ليلاً؟! ومع ذلك فقد عارضته الأخبار الصحيحة التي رويت من قوله:"من صلى معنا هذه الصلاة ثم وقف معنا هذا الموقف"، وسائر أخبار عبد الرحمن بن يعمر أنه قال:"من أدرك عرفة فقد أدرك الحج وقد تم حجه، ومن فاته عرفة فقد فاته الحج. وذلك ينفي رواية من شرط معه الوقوف بعرفة.
قلت: وقع مثل ما ذكره الجصاص في رواية الترمذي حيث قال: "من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج"، وفي رواية أبي داود: "من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجه"، وبين الروايتين فرق؛ لأن رواية الترمذي تقتضي -ظاهرًا- أن من لم يدرك ليلة جمع قبل طلوع الفجر أنه لا يكون مدركًا للحج، ورواية أبي داود تقتضي -ظاهرًا- أن من لم يدرك ليلة جمع قبل صلاة الصبح أن حجه لا يكون تامًّا.
قلنا: ولكنه يكون مدركًا؛ لأن عدم التمام لا يستلزم عدم الإِدراك، فيكون مدركًا، ولكن لا يكون حجه تامًّا، وليس المخلص من هذا الإِشكال إلاَّ بأحد شيئين: