للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: قوله -عليه السلام-: "إذا أقبل الليل من هَا هنا وأدبر النهار من هَا هنا فقد أفطر الصائم". ومعناه حل له الإِفطار، وليس معناه صار مفطرًا في ذلك الوقت.

ومنها: قولهم: من زار فلانًا فقد أكرم، يعني يستحق الإِكرام في المستقبل، وليس معناه أنه صار مكرمًا في ساعة الزيارة، وأمثال هذا كثيرة لا تدفع، أشار إليه بقوله: "هذا كلام جائز مستساغ".

ص: فلما كان هذا الحديث قد احتمل ما ذكرنا، وجاء عن رسول الله -عليه السلام- في حديث عروة عن المسور ما قد وصفنا، قد ثبت بذلك هذا التأويل، وقد بين الله -عز وجل- ذلك في كتابه بقوله -عز وجل-: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (١) فلما أمر الله -عز وجل- المحصر أن لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله؛ عُلِمَ بذلك أنه لا يحل المحصر من إحرامه إلا في وقت ما يحل له حلق رأسه، فهذا قد دل عليه قول الله تعالى، ثم فِعْلُ رسول الله -عليه السلام- زمن الحديبية.

ش: أراد به حديث الحجاج بن عمرو، والواو في "وجاء" للحال.

قوله: "وقد بين الله -عز وجل- ذلك" أي التأويل الذي ذكرناه، بيانه: أن الله أمر المحصر أنه لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله؛ فاقتضى ذلك أن لا يحل المحصر من إحرامه إلا في الوقت الذي يحل له حلق رأسه، وحلق رأسه لا يكون إلاَّ بعد نحر الهدي. قوله: "ثم فعل الرسول -عليه السلام-" أي ثم بين التأويل المذكور فعل الرسول -عليه السلام- زمن الحديبية، فإنه لم يحل حتى نحر ثم حلق، فدل ذلك أيضًا على أن معنى قوله -عليه السلام- في حديث الحجاج: "فقد حل" أي حل له أن يحل، لا أنه حل بمجرد الإِحصار.

ص: والدليل على صحة هذا التأويل أيضًا: أن حديث الحجاج بن عمرو قد ذكر عكرمة أنه حدثه ابن عباس وأبا هريرة فقالا: "صدق" فصار ذلك الحديث


(١) سورة البقرة، آية: [١٩٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>