للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يسمى حصرًا وقال البخاري: قال عطاء: "الإِحصار من كل شيء يحبسه" ولما ثبت أن اسم الإِحصار يختص بالمرض، وقال تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وجب أن يكون اللفظ مستعملاً فيما هو حقيقة وهو المرض ويكون العدو داخلًا فيه بالمعنى فإن قيل: قد حكي عن الفراء فيهما لفظ الإِحصار قيل له: لو صح ذلك كانت دلالة الآية قائمة في إثباته بالمرض لأنه لم يدفع وقوع الاسم على المرض وإنما أجازه في العدو فلو وقع الاسم على الأمرين كان عمومًا فيهما موجبًا للحكم في المريض والمحصور جميعًا.

فإن قيل: لم يختلف الرواة أن هذه الآية نزلت في شأن الحديبية وكان النبي -عليه السلام- وأصحابه -رضي الله عنهم- ممنوعين بالعدو فأمرهم الله بهذه الآية بالإِحلال من الإِحرام فدل على أن المراد بالآية هو العدو.

قيل له: لما كان سبب نزول الآية هو العدو ثم عدل عن ذكر الحصر وهو مختص بالعدو إلى الإِحصار الذي يختص بالمرض، دل على أنه أراد إفادة الحكم في المرض ليستعمل اللفظ على ظاهره، ولما أمر النبي -عليه السلام-[أصحابه] (١) بالإِحلال وحَلَّ هو، دل على أنه أراد حصر العدو من طريق المعنى لا من جهة اللفظ، فكان نزول الآية مقيدًا للحكم في الأمرين، ولو كان مراد الله تخصيص العدو بذلك دون المرض لذكر لفظًا يختص به دون غيره، ومع ذلك لو كان اسمًا للمعنيين لم يكن نزوله على سبب موجبًا للاقتصار بحكمه عليه، بل كان الواجب اعتبار عموم اللفظ دون السبب، ويدل عليه من جهة السنة حديث الحجاج بن عمرو -على ما ذكرناه- ومن جهة النظر والقياس على ما ذكره الطحاوي -رحمه الله-.

فإن قيل: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} (٢) بعد قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} (٢) يدل على أن المريض غير مراد بالإِحصار؛ لأنه لو كان كذلك لما استأنف له ذكرًا مع كونه أول الخطاب.


(١) في "الأصل، ك": "لأصحابه". وما أثبتناه أنسب للسياق.
(٢) سورة البقرة، آية: [١٩٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>