للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لما قال: {الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (١) منعه الإِحلال مع وجود الإِحصار إلى وقت بلوغ الهدي محله وهو ذبحه في الحرم، فأبان عن حكم المريض قبل بلوغ الهدي محله وأباح له حلق الرأس مع إيجاب الفدية، وأيضًا ليس كل مرض يمنع الدخول إلى البيت، ألا ترى أنه -عليه السلام- قال لكعب بن عجرة (٢): "أيؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم، فأنزل الله الآية". ولم يكن هوام رأسه مانعة من الدخول إلى البيت؛ فرخص الله له في الحلق، فأمر بالفدية، وكذلك المرض في الآية يجوز أن يكون المرض الذي لا يمنع الدخول إلى البيت، والله تعالى إنما جعل المرض إحصار إذا منع الوصول إلى البيت، فليس في ذكره حكم المريض بما وصف ما يمنع كون المرض إحصارًا؛ فافهم.

ص: ثم اختلف الناس بعد هذا في المحرم بعمرة يحصر بعدو أو مرض؛ فقال قوم: يبعث بهدي ويواعدهم أن ينحروه عنه فإذا نحر يحل، وقال آخرون: بل يقيم على إحرامه أبدًا وليس لها وقت كوقت الحج.

ش: أي ثم اختلفوا -بعد اختلافهم في الإِحصار هل يكون بالعدو وحده أو بالعدو والمرض وغيرهما- في المحرم بالعمرة إذا أحصر بعدو أو مرض، فقال قوم وأراد بهم جمهور العلماء منهم: أبو حنيفة ومالك -في رواية- والشافعي وأصحابه وأحمد وأبو يوسف ومحمد وزفر؛ فإنهم قالوا: إن المحرم بعمرة إذا أحصر فهو كالمحصر بالحج يبعث هديًا ويواعد ناسًا يذبحونه عنه، فإذا ذبح حل، ثم قال أبو حنيفة وأصحابه: عليه أن يقضيها بعد ذلك، وبه قال عكرمة والشعبي والنخعي ومجاهد.

وقال الشافعي وأحمد: لا قضاء عليه؛ لأن تحلله مسقط لما وجب عليه بالدخول فيها.


(١) سورة البقرة، آية: [١٩٦].
(٢) متفق عليه: البخاري (٤/ ١٥٣٤ رقم ٣٩٥٤)، ومسلم (٢/ ٨٥٩ رقم ١٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>