للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "شرح الموطأ": وهكذا عند مالك وأكثر أصحابه، وأما ابن الماجشون فذلك عنده بمنزلة إتمامها فتجزئه عن حجة الإِسلام إن كان أرادها بها.

قوله: "وقال آخرون" أي جماعة آخرون، وأراد بهم: محمد بن سيرين ومالكًا -في رواية- وبعض الظاهرية، فإنهم قالوا: لا يكون الإِحصار عن العمرة، بل يقيم على إحرامه أبدًا؛ لأنه ليس لها وقت معين يخاف فواتها.

وقال أبو عمر: وقد اختلف فيمن أحصر بعمرة، فعلى قول الجمهور له أن يتحلل، وحكي عن مالك ألَّا يتحلل؛ لأنه لا يخاف الفوت. والله أعلم.

ص: وكان من حجة الذين ذهبوا إلى أنه يحل منها بالهدي ما روينا عن رسول الله -عليه السلام- في أول هذا الباب لما أحصر زمن الحديبية حصرته كفار قريش فنحر الهدي وحل ولم ينتظر أن يذهب عنه الإِحصار إذْ كان لا وقت لها كوقت الحج، ثم جعلوا العدو في الإِحصار بها كالعدو في الإِحصار بالحج، فثبت بذلك أن حكمها في الإِحصار فيهما سواء، وأنه يبعث بالهدي حتى يحل به مما أحصر به منهما، إلاَّ أن عليه في العمرة قضاء عمرة مكان عمرته، وعليه في الحجة حجة مكان حجته وعمرة لإِحلاله، وقد روينا في هذه العمرة أنه قد يكون المحرم محصرًا بها ما قد تقدم في هذا الباب عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

ش: أي وكان من دليل أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه من أن المحرم بعمرة إذا أحصر يحل منها بالهدي ما روينا عن رسول الله -عليه السلام-، وهو ما رواه المسور بن مخرمة: "أن رسول الله نحر يوم الحديبية قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك". وقد تقدم ذكره في أول الباب، وقال الجصاص: وقد تواترت الأخبار بأن النبي -عليه السلام- كان محرمًا بالعمرة عام الحديبية، وأنه أحل من عمرته بغير طواف، ثم قضاها في العام القابل في ذي القعدة وسميت عمرة القضاء، وقال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ثم قال: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (١) وذلك حكم عائد إليهما


(١) سورة البقرة، آية: [١٩٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>