وقال أبو عمر (١): إنما منع المحصر من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار، فسقط عنه ما قد حيل بينه وبينه، وأما الحلاق فلم يحل بينه وبينه وهو قادر على أن يفعله، وما كان قادرًا على أن يفعله فهو غير ساقط عنه، وإنما يسقط عنه ما قد حيل بينه وبين عمله، وقد روي عن النبي -عليه السلام- ما يدل على أن الحلق باق على المحصر كما هو على من وصل إلى البيت وهو الدعاء للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين واحدة، وهو الحجة القاطعة والنظر الصحيح في هذه المسألة، وإلى هذا ذهب مالك وأصحابه، الحلاق عندهم نسك يجب على الحاج الذي قد أتم حجه، وعلى من فاته الحج، والمحصر بعدو والمحصر بمرض، وقد حكى ابن أبي عمران، عن ابن سماعة، عن أبي يوسف في "نوادره": أن عليه الحلاق أو التقصير، لا بد له منه، واختلف قول الشافعي في هذه المسألة على قولين:
أحدهما: أن الحلاق للمحصر من النسك، وهو قول مالك.
والآخر: ليس من النسك.
ص: فكان من حجة أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- في ذلك أنه قد سقط عنه بالإِحصار جميع مناسك الحج من الطواف والسعي بين الصفا والمروة، وذلك مما يحل به المحرم من إحرامه، ألا ترى أنه إذا طاف بالبيت يوم النحر حل له أن يحلق فيحل له بذلك الطيب واللباس والنساء قالوا: فلما كان ذلك مما يفعله حتى يحل فسقط ذلك عنه كله بالإِحصار، سقط عنه أيضًا سائر ما يحل به المحرم بسب الإِحصار، هذه حجة أبي حنيفة ومحمد.
ش: هذا كلام ظاهر، ولكن الطحاوي لم يختر ذلك وإنما اختار دليل من يقول: لا بد من الحلق على المحصر على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى، والصواب معه؛ لأن الحلق من جملة النسك وهو قادر على فعله فلا يسقط عنه. والله أعلم.