ص: وكان من حجة الآخرين عليهما في ذلك: أن تلك الأشياء من الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، قد صد عنه المحرم وحيل بينه وبينه فسقط عنه أن يفعله، والحلق لم يُحَلْ بينه وبينه وهو قادر على أن يفعله، فما كان يصل إلى أن يفعله فحكمه فيه في حال الإِحصار كحكمه في غير حال الإِحصار، وما لا يستطيع أن يفعله في حال الإِحصار فهو الذي يسقط عنه بالإِحصار، فهو النظر عندنا، فإذا كان حكمه في وقت الحلق عليه وهو محصر كحكمة في وجوبه عليه وهو غير محصر كان تركه إياه وهو محصر كتركه إياه وهو غير محصر.
ش: أي وكان من حجة الآخرين على أبي حنيفة ومحمد: أن تلك الأشياء ... إلى آخره ظاهر غني عن زيادة البيان ولمح بهذه العبارة على أن اختياره هو حجة الآخرين؛ فلذلك قال: فهو النظر عندنا.
قوله:"قد صد" أي منع الضمير في "عنه" يرجع إلى كل واحد من الأشياء المذكورة، وكذلك في قوله:"وبينه" وفي "أن يفعله".
ص: وقد روي عن رسول الله -عليه السلام- ما قد دل على أن حكم الحلق باق على المحصرين كما هو على من وصل إلى البيت، وذلك أن ربيعًا المؤذن حدثنا، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال ثنا ابن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:"حلق رجال يوم الحديبية، وقصر آخرون، فقال رسول الله -عليه السلام-: يرحم الله المحلقين، قالوا: يا رسول الله، والمقصرين؟ قال: يرحم الله المحلقين، قالوا: يا رسول الله، والمقصرين؟ قال: يرحم الله المحلقين، قالوا: يا رسول الله [و]، (١) المقصرين؟ قال: والمقصرين، قالوا: فما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم؟ قال: إنهم لم يَشُكُّوا".
حدثنا فهد، قال: ثنا يوسف بن بهلول، قال: ثنا ابن إدريس، عن ابن إسحاق ... فذكر بإسناده مثله.
(١) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".