وذهبت طائفة من السلف، الصحابة فمن بعدهم إلى أن الحج لازم له وهو مخاطب بوجوبه كالحر، وهو قول جابر بن عبد الله وابن عمر وغيرهما، وبه قال داود، وروينا عن بكير بن عبد الله بن الأشج قال: سألت القاسم بن محمد وسليمان ابن يسار عن العبد إذا حج بإذن سيده، فقالا جميعًا: يجزئه عن حجة الإِسلام إن عتق، وإن حج بغير إذن سيده لم يجزئه، وروينا عن ابن عباس والحسن البصري والزهري وغيرهم: أن الصبي إذا احتلم، والعبد إذا أبق، والأعرابي إذا هاجر؛ فعليهم إعادة الحج.
وقال عطاء: أما الأعرابي فيجزئه حجه، وأما العبد والصبي فعليهما حجة أخرى بعد البلوغ والعتق.
ص: وكان من الحجة لهم عندنا على أهل المقالة الأولى: أن هذا الحديث إنما فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن للصبي حجًّا، وهذا مما قد أجمع الناس جميعًا عليه، ولم يختلفوا أن للصبي حجًّا كما أن له صلاة، وليست تلك الصلاة فريضة عليه، فكذلك أيضًا يجوز أن يكون له حج وليس ذلك الحج بفريضة عليه، وإنما هذا الحديث حجة على من زعم أنه لا حج للصبي، فاما من يقول: إن له حجًّا وهذا ابن عباس هو الذي روى هذا الحديث عن رسول الله -عليه السلام- ثم قد صرف هو حج الصبي إلى غير الفريضة، وأنه لا يجزئه بعد بلوغه من حجة الإِسلام.
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي السفر قال: سمعت ابن عباس يقول: "يأيها الناس أَسْمِعُوني ما تقولون، ولا تخرجوا تقولون:(قال ابن عباس، قال ابن عباس)(١) أيما غلام حج به أهله فمات فقد قضى حجة الإِسلام، فإن أدرك فعليه الحج، وأيما عبد حج به أهله فمات فقد قضى حجة الإِسلام، فإن أعتق فعليه الحج".
(١) كذا تكررت في "الأصل"، وكتب المؤلف فوقها: "صح" علامة على صحة تكرارها.