ش: أراد بهذه الآثار الأحاديث التي أخرجها عن ابن عباس وأبي شريح وأبي هريرة -رضي الله عنهم-.
قوله:"فذكر ذلك" أي قوله: "أحلت لي ساعة من نهار" والباقي ظاهر.
ص: فإن قال قائل: إن معنى ما أحل للنبي -عليه السلام- ها هنا هو شهر السلاح فيها للقتال وسفك الدماء لا غير ذلك، قيل له: هذا محال، لو كان الذي أبيح للنبي -عليه السلام- منها هو ما ذكرت خاصة إذاً لم يقل:"ولا تحل لأحد بعدي" وقد رأيناهم أجمعوا أن المشركين لو غلبوا على مكة فمنعوا المسلمين منها أنه حلال للمسلمين قتالهم وشهر السلاح بها وسفك الدماء، وإن حكم من بعد النبي -عليه السلام- في ذلك في إباحتها في حكم النبي -عليه السلام-، فدل ذلك أن المعنى الذي كان النبي -عليه السلام- خُصُّ به فيها وأحلت له من أجله ليس هو القتال، وإذا انتفى أن يكون هو القتال ثبت أنه الإِحرام، ألا ترى إلى قول عمرو بن سعيد لأبي شريح:"إن الحرم لا يمنع سافك دم ولا مانع خربة ولا خالع طاعة". جوابًا لما حدث به أبو شريح عن النبي -عليه السلام- فلم ينكر ذلك عليه أبو شريح، ولم يقل له: إن النبي -عليه السلام- إنما أراد بما حدثتك عنه أن الحرم قد يجير كل الناس، ولكن عرف ذلك فلم ينكره.
وهذا عبد الله بن عباس فقد روى ذلك عن النبي -عليه السلام- ثم قال في رواية:"لا يدخل أحد الحرم إلاَّ بإحرام" وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله، فدل قوله: هذا أن ما روى عن النبي -عليه السلام- فيما أحلت له ليس هو على إظهار السلاح بها، وإنما هو على المعنى الآخر؛ لأنه لما انتفى هذا القول ولو لم يكن غيره ثبت القول الآخر.
ش: تقرير السؤال أن يقال: كيف تقول: فدل ذلك أن النبي -عليه السلام- كان دخلها وهي له حلال فلذلك كان له دخولها بغير إحرام وإنما الذي حل للنبي -عليه السلام- منها هو شهر السلاح فيها للقتال وسفك الدماء لا غير؟ وهذا السؤال من جهة أهل المقالة الأولى قصدوا به تقرير مذهبهم، وهو جواز دخول الحرم بغير إحرام؛ لأنه -عليه السلام- دخل عام الفتح بغير إحرام، ونحن لما قلنا: لا يجوز دخولها بغير إحرام،