للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصديق، وذلك في سَنة تسع، وفي "شرح الموطأ" للإِشبيلي: يحتمل أن تريد أنه من آخر هدي بعث به؛ لأنه -عليه السلام- حج في العام الذي يليه حجة الوداع، لئلا يظن ظان أن هذا كان في أول الأمر ثم نسخ، فذهبت إلى رفع الأشكال.

وفيه من الفوائد: أن أصحاب النبي -عليه السلام- كانوا يختلفون في مسائل الفقه وعلوم الديانة فلا يعيب بعضهم بعضًا بأكثر من رد قوله ومخالفيه إلى ما عنده من السنة في ذلك، وهكذا يجب على كل مسلم.

وفيه ما كان عليه الأمراء من الامتثال بأمر الدين والكتاب فيه إلى البلدان.

وفيه عمل أزواج النبي -عليه السلام- بأيديهن وامتهانهن أنفسهن، وكذلك كان رسول الله -عليه السلام- يمتهن نفسه في عمل بيته، فربما خاط ثوبه وخصف نعله، وقد قلد هديه المذكور في هذا الباب بيده الكريمة.

وفيه أن عبد الله بن عباس كان يرى أن من بعث هديه إلى الكعبة لزمه إذا قلده أن يحرم ويجتنب ما يجتنبه الحاج حتى ينحر هديه، وقد تابعه على ذلك القوم الذين ذكرناهم.

وفيه ما ذكرته عائشة من أن تقليد الهدي لا يوجب على صاحبه الإِحرام، وهذا هو المعنى الذي ذهب إليه أهل المقالة الثانية.

وفيه ما يرد الحديث الذي رواه شعبة (١): عن مالك، عن عمر بن مسلم بن أكيمة، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة -رضي الله عنها-: "أن رسول الله -عليه السلام- قال إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من أظفاره شيئًا".

ففي هذا الحديث أنه لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يحلق شعره ولا يقص ظفره، وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه -عليه السلام- لم يجتنب شيئًا [مما] (٢) يجتنبه


(١) "صحيح مسلم" (٣/ ١٥٦٥ رقم ١٩٧٧).
(٢) في "الأصل، ك": "ما"، والمثبت من "التمهيد" لابن عبد البر (١٧/ ٢٣٤) فهذه الفائدة كلها منقولة منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>