مكة". قالوا: وذكر الرواية في إباحتها في حجة الوداع خطأ؛ لأنه لم يكن ثمة ضرورة ولا عزبة، وأكثرهم حجوا بنسائهم، والصحيح فيها تجرد النهي كما جاء في غير رواية ويكون تجديد النبي -عليه السلام- النهي عنها يومئذ لاجتماع الناس، وتبليغ الشاهد الغائب، وإتمام الدين، وتقرير الشريعة كما قرر غير شيء وبين حله وحرامه، وتحريم المتعة حينئذٍ لقوله: "إلى يوم القيامة" وعلى هذا يحمل ما جاء في تحريم المتعة يوم خيبر وفي عمرة القضاء ويوم أطاس ويوم الفتح وهو بمعني يوم أوطاس إذ هي غزوة متصلة واحدة، وأنه جدد النهي عنها في هذه المواطن، إذ حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مدفع فيه، من روايات الثقات الأثبات، عن ابن شهاب، لكن في رواية سفيان عنه: "نهى النبي -عليه السلام- عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر". فتأول بعضهم أن الكلام منقطع، وأن يوم خيبر مختص بتحريم الحمر الأهلية، وأرسل تحريم المتعة على غيرها ليوافق بين الأحاديث، وقال هؤلاء: الأشبه في تحريم المتعة أنه كان بمكة، وأما لحوم الحمر الأهلية فبخيبر بغير خلاف، وهذا حسن لو ساعدته سائر الروايات عن غير سفيان، والأولى، ما قلنا من تكرير التحريم لكي يتقي بعد هذا ما جاء في ذكر إباحته في عمرة القضاء، ويوم أوطاس ويوم الفتح فيحتمل أن النبي -عليه السلام- أباحه لهم للضرورة بعد التحريم، ثم أطلق تحريمه للأبد، بقوله: "من يومكم هذا إلى يوم القيامة" فيكون التحريم أولاً بعد الإِباحة للضرورة عند ارتفاعها بخيبر وعمرة القضاء، ثم تأبيد التحريم بمكة في الفتح وحجة الوداع، وترك الرواية بتحليلها في حجة الوداع إذ هي مرويَّة عن سبرة الجهني وروايات الجهني وروايات الأثبات عنه أنها في يوم الفتح، ومجرد النهي يوم حجة الوداع، فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه الجمهور ووافقه عليه عشرة من الصحابة في النهي عنها قبل الفتح، ويترك ما انفرد به من روى عنه تحليلها يوم حجة الوداع، وتصحيح رواية من روى عنه مجرد النهي في حجة الوداع تأكيدًا وإبلاغًا.