ص: فهذا عمر -رضي الله عنه- قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول الله -عليه السلام- فلم ينكر ذلك عليه منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك، وفي إجماعهم على النهي في ذلك عنها دليل على نسخها، ثم هذا ابن عباس يقول: إنما أبيحت والنساء قليل، فلما كثرن ارتفع المعنى الذي من أجله أبيحت، وقال أبو ذرٍّ:"إنما كانت لنا خاصة"، فقد يحتمل أن تكون كانت لهم للمعنى الذي ذكره ابن عباس إنها أبيحت من أجله.
وأما قول جابر:"كنا نتمتع حتى نهانا عنها عمر -رضي الله عنه-" فقد يجوز أن يكون لم يعلم بتحريم رسول الله -عليه السلام- إياها حتى علمه من قول عمر -رضي الله عنه- وفي تركه ما قد كان رسول الله -عليه السلام- إباحَهُ لهم دليل على أن الحجة (عليه قد قامت له عنده)(١) على نسخ ذلك وتحريمه فوجب لما ذكرنا نسخ ما روينا في أول هذا الباب من إباحة متعة النساء.
ش: أشار بقوله: "فهذا عمر -رضي الله عنه-" إلى وقوع الإِجماع على تحريم المتعة في أيامه، وإلى أن إجماعهم على ذلك دليل على أن ما روي من إباحتها قد نسخ ورفع حكمه.
قوله:"ثم هذا ابن عباس" إشارة إلى أن ما روي عن ابن عباس من إباحة المتعة إنما كان لعلة ذكرها، وإن تلك العلة قد زالت، وزال الحكم المبني عليها بزوالها.
قوله:"وقال أبو ذر إلى آخره" إشارة إلى أن معنى الخصوصية التي ذكرها أبو ذر في المتعة إنما كان للمعنى الذي ذكره ابن عباس، وقد ارتفع ذلك كما ذكرنا.
قوله:"وأما قول جابر إلى آخره" إشارة إلى توجيه قوله: "كنا نتمتع حتى نهانا عمر" وهو أنه كان يحتمل أنه لم يبلغه خبر التحريم حتى وقف عليه من عمر -رضي الله عنه- ثم إن تركه دليل على أن الحجة قد قامت بتحريمها عنده، فإذا كان كذلك فقد وقع الاتفاق عن كل من روى إباحة ذلك مع من كان يرى بحرمتها، فصار إجماعًا، فهذا الإِجماع قد دل على أن أحاديث الإِباحة التي احتجت بها أهل المقالة الأولى منسوخة لا يعمل بها، والله أعلم.
(١) كذا في "الأصل، ك"، وفي "شرح معاني الآثار". قد قامت عنده. وهو أليق بالسياق.