للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونوعٌ آخر: وهو ما روي عن أنس -رضي الله عنه- على ما قد ذكرناه عنه، فذلك نصٌّ على أنه مبيحٌ لإتيان الحيُّض دون الفرج وان كانت تحت الإزار، فأردنا أن ننظر أي هذين النوعين تأخر عن صاحبه فنجعله ناسخًا له، فنظرنا في ذلك فإذا حديث أنس -رضي الله عنه- فيه إخبارٌ عما كانت اليهود عليه، وقد كان رسول الله -عليه السلام- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بخلافهم، قد روينا ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في كتاب الجنائز، وقد أمره الله -عز وجل- في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (١)، فكان عليه اتباع مَنْ تقدَّمه من الأنبياء -عليه السلام- حتى تُحْدَث له شريعة تنسخ شريعته، فكان الذي نُسخ ما كان اليهود عليه من اجتناب كلام الحائض ومؤاكلتها والاجتماع معها في بيتٍ هو ما في حديث أنس -رضي الله عنه- لا واسطة بينهما، وفي حديث أنسٍ هذا إباحة جماعها فيما دون الفرج، وكان الذي في حديث عمر -رضي الله عنه- الإباحة لما فوق الإزار والمنع مما تحت الإزار، فاستحال أن يكون ذلك متقدمًا لحديث أنسٍ إذ كان حديث أنس هو الناسخ لاجتناب الاجتماع مع الحائض ومؤاكلتها ومشاربتها، وثبت أنه متأخر عنه وناسخٌ لبعض الذي أبيح فيه، فثبت ما ذهب إليه أبو حنيفة من هذا بتصحيح الآثار، وانتفى ما ذهب إليه محمد بن الحسن -رحمه الله-.

ش: لما ذكر أن وجه النظر والقياس في هذا الباب اقتضى أن يكون الممنوع من الاستمتاع بالحائض موضع الدم فقط، وأشار إليه أنه اختياره، ثم لما نظر في تصحيح الأحاديث الواردة في هذا الباب تبيَّن له أن الأمر ما ذهب إليه أبو حنيفة ومن معه لا ما ذهب إليه محمد بن الحسن ومَنْ معه، وأشار إلى، بيان [ذلك] (٢) بقوله: "وذلك أنَّا وجدنا ... " إلى آخره، تقريره: أن الأحاديث الواردة في هذا الباب على ثلاثة أنواع:


(١) سورة الأنعام، آية: [٩٠].
(٢) ليست في "الأصل، ك"، السياق يقتضيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>