حدثنا يزيد، قال: ثنا أبو الوليد ويحيى بن حماد، قالا: ثنا أبو عوانة، عن سماك ابن حرب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام- ... نحوه.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا أبو عوانة، عن سماك ... فذكر بإسناده مثله.
فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث أن ما قاله من جهة الظن فهو فيه كسائر البشر في ظنونهم، وأن الذي يقوله مما لا يكون على خلاف ما يقوله، هو ما يقوله عن الله -عز وجل- فلما كان نهيُه عن الغيلة لما كان خاف منها على أولاد الحوامل، ثم أباحها لما علم أنها لا تضرهم؛ دلَّ ذلك على أن ما كان نهى عنه لم يكن من قبل الله -عز وجل- ولو كان من قِبَل الله -عز وجل- لكان يقف به على حقيقة ذلك، ولكنه من قبل ظنه الذي وقف بعده على أن ما في الحقيقة مما نهى عما نهى عنه من ذلك من أجله بخلاف ما وقع في قلبه من ذلك.
فثبت بما ذكرنا أن وطء الرجل امرأته أو أمَته حاملًا حلال لم يحرّم عليه قط.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: مَثَّل نهيه -عليه السلام- عن الغيلة بنهيه عن تأبير النخل في كون كل منهما عن ظن ظنه ولم يكن ذلك من طريق الوحي، إذ الذي يقوله من طريق الوحي لا يكون على خلاف ما يقوله، وقد صرَّح في حديث التأبير بقوله: إنما هو ظن ظننته، وصرَّح بأن الظن يخطيء ويصيب، فدلَّ ذلك أن ما قاله من جهة الظن فهو فيه كسائر الناس في ظنونهم، وأما الذي يقوله ولا يخالف فيه فهو الذي يقوله عن الله تعالى؛ لأن ما كان عن الله لا خلاف فيه ولا يقع ما هو خلافه، وبهذا يحصل الجواب عما يقال: كيف يجوز على النبي -عليه السلام- أن يقول شيئًا ويقع خلافه؟ والتحقيق فيه: أن النبي -عليه السلام- له حالتان:
حالة مطلق البشرية؛ فهو وسائر الناس فيه سواء، والدليل عليه قوله:"أنا بشرٌ مثلكم"؛ لأنه من جنسهم وليس من جنس غيرهم، بالنظر إلى هذه الحالة ربما يظن أمرًا وقد كان الواقع خلافه؛ لأن الظن يخطىء ويصيب كما في سائر الخلق.