وقال أبو عمر: وهو قول عائشة وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو، وروي عن ابن عباس أيضًا.
كل هؤلاء يقولون: الأقراء: الأطهار، فالمطلقة عندهم تحل للأزواج بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة، وسواء بقي من الطهر الذي طلقت فيه المرأة يوم واحد أو أقل أو أكثر أو ساعة واحدة فإنها تحتسب به المرأة قرءًا.
واعلم أن طائفة أخرى توقفوا في الأقراء: هل هي حيض أم أطهار، وهم: سليمان بن يسار وفضالة بن عبيد وأحمد في رواية؛ فعن أحمد ثلاث روايات: الأولى مع الطائفة الأولى، والثانية مع الثانية، والثالثة مع هؤلاء المتوقفين. والله أعلم.
ص: فكان من حجة من ذهب إلى أنها الأطهار: قول رسول الله -عليه السلام- لعمر -رضي الله عنه- حين طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض:"مُرْه أن يراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم ليطلقها إن شاء، فتلك العدة التي أمر أن تطلق لها النساء". وقد ذكرنا ذلك بإسناده في الباب الذي قبل هذا الباب.
قالوا: فلما أمره رسول الله -عليه السلام- أن يطلقها في الطهر، وجعله العدة، ونهاه أن يطلقها في الحيض، وأخرجه من أن يكون عدة؛ ثبت بذلك أن الأقراء هي الأطهار.
ش: احتجاج هؤلاء بالحديث المذكور ظاهر، ولكنه معارض بما يحتج به أهل المقالة الأولي بحديث ابن عمر أيضًا، على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى، فإذا كان معارضًا يسقط الاحتجاج به.
ص: فكان من الحجة للآخرين عليهم أن هذا الحديث قد روي عن ابن عمر كما ذكروا، وقد روي عنه ما هو أتم من ذلك، فروي عنه:"أن رسول الله -عليه السلام- أمر عمر -رضي الله عنه- أن يأمره أن يراجعها ثم يمهلها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم ليطلقها إن شاء، وقال: تلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء". وقد ذكرنا ذلك بإسناده في الباب الذي قبل هذا الباب؛ فلما نهاه رسول الله -عليه السلام- عن إيقاع الطلاق في الطهر الذي بعد الحيضة التي طلق فيها، حتى يكون طهر وحيضة أخرى