والثاني: قوله: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ}(١) والمضارة تقع في النفقة كهي في السكنى.
والثالث: قوله: {لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}(١) والتضييق قد يكون في النفقة أيضًا، فعليه أن ينفق عليها ولا يضيق عليها فيها، فإذا كان الأمر كذلك، فقد جاءت فاطمة بنت قيس فروت عن النبي -عليه السلام- أنه قال لها:"إنما السكنى والنفقة لمن كانت عليها الرجعة، فقد خالفت بذلك الكتاب والسنة، أما الكتاب فقد قلنا: إنه جعل السكنى لمن لا رجعة عليها، وأما السنة فلأن عمر -رضي الله عنه- قد روى عن النبي -عليه السلام- خلاف ما روت هي، حيث قال: سمعت رسول الله -عليه السلام- يقول: "لها السكنى والنفقة" أي للمبتوتة، وقد مرَّ ذكره فيما مضى، وكذلك روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبي -عليه السلام- قال: "المطلقة ثلاثًا لها السكنى والنفقة".
رواه الدارقطني من حديث حرب بن أبي العالية، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي -عليه السلام-، وحرب بن أبي العالية حديثه في صحيح مسلم.
وأخرج له أيضًا الحاكم في "مستدركه" ويكفيه توثيقًا رواية مسلم له، فإذا ثبت هذا؛ ظهر أن ما أنكر عليها عمر -رضي الله عنه- هو إنكار صحيح وبطل بذلك حديث فاطمة، فلم يجب العمل به أصلاً، ولا يعمل به إلا مَنْ خالف الكتاب والسنة، والله أعلم.
ص: فقال قائل: لم يجيء تخليط حديث فاطمة إلا مما رواه الشعبي عنها، وذلك أنه هو الذي روى عنها: "أن رسول الله -عليه السلام- لم يجعل لها السكنى ولا النفقة".
قال: وليس ذلك في حديث أصحابنا الحجازيين، فأغفل في ذلك أو ذهل عنه؛ لأنه لم يرو ما في هذا الباب بكماله كما رواه غيره، فتوهم هو أنه جمع كل ما روي في هذا الباب فتكلم على ذلك فقال: ما حكينا عنه مما وصفنا، وليس كما توهم؛ لأن الشعبي أضبط مما يظن وأوثق وأتقن، وقد وافقه على ما روى من قد ذكرنا في أول هذا الباب ما يغنينا ذلك عن إعادته في هذا الموضع، ويقال: إن حديث مالك عن عبد الله بن يزيد الذي لم يذكر فيه "لا سكنى لك" قد رواه الليث بن سعد، عن