ص: وقد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهيي، قال: ثنا ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، قال: حدثني ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، أنه قال لرسول الله -عليه السلام-: "إني أكون ببادية يقال لها: الوطأة، وإني بحمد الله أصلي بهم؛ فمرني بليلة في هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيه، قال: أنزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه فإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فافعل، وإن أحببت فكف، فكان إذا صلى صلاة العصر دخل المسجد ولا يخرج إلا لحاجة حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح كانت دابته بباب المسجد".
ففي هذا الحديث أنه قد جعل لليلة ثلاث وعشرين في التحري ما لم يجعل لسائر السبع الأواخر، وقد حدثنا روح بن الفرج قال: ثنا أحمد بن صالح، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: أخبرني عبد العزيز بن بلال بن عبد الله، عن أبيه بلال بن عبد الله، عن عطية بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن أنيس:"أنه سأل النبي -عليه السلام- عن ليلة القدر، فقال: إني رأيتها فأنسيتها فتحرها في النصف الآخر، ثم عاد فسأله، فقال: في ثلاث وعشرين تمضي من الشهر".
قال عبد العزيز: وأخبرني أبي: "أن عبد الله بن أنيس كان يحيي ليلة ست عشرة إلى ليلة ثلاث وعشرين، ثم يُقصر".
ففي هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- أمره أن يتحراها في النصف الآخر من الشهر، ثم أمره بعد ذلك أن يتحراها ليلة ثلاث وعشرين، فقد رجع معنى هذا الحديث إلي معنى ما رويناه قبله عن عبد الله بن أنيس، وقد يجوز أن يكون رسول الله -عليه السلام- إنما أمر عبد الله بن أنيس بتحري ليلة القدر في الليلة التي ذكرنا، على أن تحريه ذلك إنما دله أنها تكون في تلك السنة كذلك لرؤياه التي رآها، وإن كانت قد تكون في غيرها من السنين بخلاف ذلك، فأما ما روي عنه في رؤياه التي كان رآها فيما قد ذكرناه عنه في حديث بسر بن سعيد، عن عبد الله بن أنيس.
ش: ذكر هذين الوجهين من حديث عبد الله بن أنيس -رضي الله عنه-، ووجه التوفيق بينهما ما روي عنه من غير هذين الوجهين، بيانه أن الذي أمر له في الحديث الأول: