ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فجعلوا الرطب بالتمر نوعًا واحدًا، وأجازوا بيع كل واحد منهما بصاحبه مثلًا بمثل، وكرهوا نسيئة.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم: أبا حنيفة والمزني وأبا ثور وداود؛ فإنهم قالوا: يجوز بيع الرطب بالتمر مثلًا بمثل؛ لأنهما نوع واحد وهو اختيار الطحاوي أيضًا، ولا يجوز عندهم أن يبيعوا الرطب بالتمر نسيئة وإن كان مثلًا بمثل لوجود علة الربا.
ص: فاعتبرنا هذا الحديث الذي احتج به عليهم مخالفهم، هل دخله شيء؟ فإذا ابن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي، قال: ثنا معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن يزيد، أن زيدًا أبا عياش أخبره، عن سعد بن أبي وقاص:"أن رسول الله -عليه السلام- نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة".
فكان هذا هو أصل هذا الحديث، فيه ذكر النسيئة، زاده يحيى بن أبي كثير على مالك بن أنس، فهو أولى، وقد روي هذا الحديث أيضًا عن غير عبد الله بن يزيد على مثل ما رواه يحيى بن أبي كثير أيضًا.
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أنا عمرو بن الحارث، عن بكير ابن عبد الله، حدثه عن عمران بن أبي أنيس، أن مولى بني مخزوم:"حدثه أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل، فقال سعد: نهانا رسول الله -عليه السلام- عن هذا".
فهذا عمران بن أبي أنيس وهو رجل متقدم معروف قد روى هذا الحديث كما رواه يحيى، فكان ينبغي في تصحيح معاني الآثار أن يكون حديث عبد الله بن يزيد لما اختلف عنه فيه أن يرتفع ويثبت حديث عمران هذا، فيكون النهي الذي جاء في حديث سعد هذا إنما هو لعلة النسيئة لا غير ذلك؛ فهذا سبيل هذا الباب من طريق تصحيح الآثار.